قوله جلّ ذكره : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاءٍ مُّنهْمَرٍ } .
كذب قوم نوح نبيَّهم ، وقالوا : إنه مجنون ، وزجروه وشتموه .
وقيل : { وَازْدُجِرَ } : أي استطار عَقْلهُ ، أي قومُ نوحٍ قالوا له ذلك .
فدعا ربَّه فقال : إِني مغلوب ؛ أي بتسلُّطِ قومي عليَّ ؛ فلم يكن مغلوباً بالحُجَّة لأنَّ الحُجَّةَ كانت عليهم ، فقال نوح لله : اللهمَّ فانتَصِرْ منهم أي انْتَقِمْ .
ففتحنا أبواب السماء بماءٍ مُنْصَبٍّ ، وشَقَقْنَا عيوناً بالماء ، فالتقي ماء السماءِ وماءُ الأرضِ على أمرٍ قد قُدِّرَ في اللوح المحفوظ ، وَقُدِرَ عليه بإهلاكهم !
وفي التفاسير : أن الماء الذي نَبَعَ من الأرضِ نَضَبَ . والماء الذي نزل من السماء هو البخارُ اليومَ .
بماء منهمر : منصبٍّ بشدة وغزارة .
11- { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ } .
لقد انصبّ عليهم ماء السحاب وابلا منهمرا ، بشدّة وغزارة ، وقد كانوا في شوق إلى المطر لمدة طويلة ، فكان المطر الشديد الوابل المتتابع ، سببا في عذابهم فقد نزل بكثرة فائقة من السماء ، كما يقال في المطر الوابل : جرت ميازيب السماء ، وفتحت أبواب القرب ، كناية عن كثرة انصباب الماء من السماء .
{ فَفَتَحْنَا أبواب السماء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ } أي منصب ، وقيل : كثير قال الشاعر
: أعيناي جوداً بالدموع ( الهوامر ) *** على خير باد من معد وحاضر
والباء للآلة مثلها في فتحت الباب بالمفتاح ، وجوز أن تكون للملابسة والأول أبلغ ، وفي الكلام استعارة تمثيلية بتشبيه تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهاء انفتحت بها أبواب السماء وانشق أديم الخضراء . وهو الذي ذهب إليه الجمهور ، وذهب قوم إلى أنه على حقيقته وهو ظاهر كلام ابن عباس .
/ أخرج ابن المنذر . وابن أبي حاتم عنه أنه قال : لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب ، وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم فالتفى الماآن ، وفي رواية لم تقلع أربعين يوما ، وعن النقاش أنه أريد بالأبواب المجرة وهي شرج السماء كشرح العيبة ، والمعروف من الأرصاد أن المجرة كواكب صغار متقاربة جداً ، والله تعالى أعلم .
ومن العجيب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين فأهلكهم الله تعالى بمطلوبهم ، وقرأ ابن عامر . وأبو جعفر . والأعرج . ويعقوب { فَفَتَحْنَا } بالتشديد لكثرة الأبواب ، والظاهر أن جمع القلة هنا للكثرة .
ولقد كانت نتيجة هذا الدعاء ، الإجابة السريعة ، كما يشعر بذلك التعبير بالفاء فى قوله - تعالى - بعد ذلك : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } .
أى : فأجبنا لنوح دعاءه ، ففتحنا أبوبا السماء بماء كثير منهمر ، أى : منصب على الأرض بقوة وبكثرة وتتابع . يقال : همر فلان الماء يهمر - بكسر الميم وضمها - إذا صبه بكثرة . وقراءة الجمهور { فَفَتَحْنَآ } بتخفيف التاء ، وقرأ ابن عامر بتشديدها على المبالغة .
قال الجمل : والمراد من الفتح والأبواب والسماء : حقائقها فإن للسماء أبوابا تفتح وتغلق . والباء فى قوله : { بِمَاءٍ } للتعدية على المبالغة ، حيث جعل الماء كالآلة التى يفتح بها ، كما تقول : فتحت بالمفتاح .