المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

90- نبهتهم تلك المفاجأة السارة إلى إدراك أن هذا يوسف ، فتفحصوه ، ثم قالوا مؤكدين : إنك لأنت يوسف حقا وصدقا ، فقال يوسف الكريم مصدقا لهم : أنا يوسف ، وهذا أخي ، قد مَنَّ اللَّه علينا بالسلامة من المهالك ، وبالكرامة والسلطان ، وكان ذلك جزاء من اللَّه لإخلاصي وإحساني ، وإن اللَّه لا يضيع أجر من يُحسن ويستمر على الإحسان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

يقول تعالى مخبرا عن يوسف ، عليه السلام : أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب ، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه ، مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة ، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته ، وبدره البكاء ، فتعرف إليهم ، يقال{[15280]} إنه رفع التاج عن جبهته ، وكان فيها شامة ، وقال : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } ؟ يعني : كيف فرقوا بينه وبينه { إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } أي : إنما حملكم على هذا{[15281]} الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه ، كما قال بعض السلف : كل من عصى الله فهو جاهل ، وقرأ : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ } إلى قوله : { إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النحل : 119 ] .

والظاهر - والله أعلم - أن يوسف ، عليه السلام ، إنما تعرف إليهم بنفسه ، بإذن الله له في ذلك ، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين{[15282]} بأمر الله تعالى له في ذلك ، والله أعلم ، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر ، فَرَّج الله تعالى من ذلك الضيق ، كما قال تعالى : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }{[15283]} [ الشرح : 5 ، 6 ] ، فعند ذلك قالوا : { أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ } ؟

وقرأ أبيّ بن كعب : " أو أنت{[15284]} يُوسُفُ " ، وقرأ ابن مُحَيْصِن : " إنَّك لأنتَ{[15285]} يُوسُفُ " . والقراءة المشهورة هي الأولى ؛ لأن الاستفهام يدل على الاستعظام ، أي : إنهم تَعجَّبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر ، وهم لا يعرفونه ، وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه ، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام : { أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي } { قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } أي : بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة ، { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ } يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق ، والسعة والملك ، والتصرف والنبوة أيضا - على قول من لم يجعلهم أنبياء - وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطئوا في حقه .


[15280]:- في ت ، أ : "فيقال".
[15281]:- في أ : "ذلك".
[15282]:- في ت ، أ : "الأولتين".
[15283]:- في ت ، أ : "إن" وهو خطأ.
[15284]:- في أ : "أو إنك".
[15285]:- في ت ، أ : "وأنت".

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

قولهم : { أإنك لأنت يوسف } يدل على أنهم استشعروا من كلامه ثم من ملامحه ثم من تفهم قَول أبيهم لهم : { وأعلم من الله ما لا تعلمون } إذ قد اتضح لهم المعنى التعريضي من كلامه فعرفوا أنه يتكلم مريداً نفسه .

وتأكيد الجملة ب { إنّ } ولام الابتداء وضمير الفصل لشدة تحققهم أنه يوسف عليه السلام .

وأدخل الاستفهام التقريري على الجملة المؤكّدة لأنهم تطلبوا تأييده لعلِمهم به .

وقرأ ابن كثير { إنك } بغير استفهام على الخبرية ، والمراد لازم فائدة الخبر ، أي عرفناك ، ألا ترى أن جوابه ب { أنَا يوسف } مجرد عن التأكيد لأنهم كانوا متحققين ذلك فلم يبق إلا تأييده لذلك .

وقوله : { وهذا أخي } خبر مستعمل في التعجيب من جمع الله بينهما بعد طول الفرقة ، فجملة { قد من الله علينا } بيان للمقصود من جملة { وهذا أخي } .

وجملة { إنه من يتق ويصبر } تعليل لجملة { منَّ الله علينا } . فيوسف عليه السلام اتّقى الله وصبر وبنيامين صَبر ولم يعْص الله فكان تقياً . أراد يوسف عليه السلام تعليمهم وسائل التعرض إلى نعم الله تعالى ، وحثهم على التقوى والتخلق بالصبر تعريضاً بأنهم لم يتقوا الله فيه وفي أخيه ولم يصبروا على إيثار أبيهم إياهما عليهم .

وهذا من أفانين الخطابة أن يغتنم الواعظ الفرصة لإلقاء الموعظة ، وهي فرصة تأثر السامع وانفعاله وظهور شواهد صدق الواعظ في موعظته .

وذكر المحسنين وضعٌ للظاهر موضع المضمر إذ مقتضى الظاهر أن يقال : فإن الله لا يضيع أجرهُم . فعدل عنه إلى المحسنين للدلالة على أن ذلك من الإحسان ، وللتعميم في الحكم ليكون كالتذييل ، ويدخل في عمومه هو وأخوه .

ثم إن هذا في مقام التحدث بالنعمة وإظهار الموعظة سائغ للأنبياء لأنه من التبليغ كقول النبي صلى الله عليه وسلم « إنّي لأتقاكم لله وأعلمكم به » .