المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

128- وهنا رأي موسى أثر الجزع في نفوس قومه ، فشد من عزمهم ، وقال لهم : اطلبوا معونة اللَّه وتأييده ، واثبتوا ولا تجزعوا ، إن الأرض في قبضة قدرة الله وملكه ، يجعلها ميراثا لمن يشاء من عباده لا لفرعون ، والعاقبة الحسنة للذين يتقون اللَّه بالاعتصام به والاستمساك بأحكامه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل ، { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا } ووعدهم بالعاقبة ، وأن الدار ستصير لهم في قوله : { إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم عند الله { استعينوا بالله واصبروا } وظاهر هذا الكلام كله وعد بغيب فكأن قوته تقتضي أنه من عند الله وليس في اللفظ شيء من ذلك و { الأرض } أرض الدنيا وهو الأظهر ، وقيل المراد هنا أرض الجنة ، وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير ، وقرأت فرقة «يورَثها » بفتح الراء ، وقرأ السبعة «يوْرِثها » ساكنة الواو خفيفة الراء مكسورة ، وروى حفص عن عاصم وهي قراءة الحسن «يورّثها » بتشديد الراء على المبالغة ، والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

جملة : { قال موسى لقومه } واقعة جواباً لقول قومه { إنا إلى ربنا منقلبون } [ الأعراف : 125 ] إلى آخرها الذي أجابوا به عن وعيد فرعون ، فكان موسى معدوداً في المحاورة ، ولذلك نزل كلامه الذي خاطب به قومه منزلة جواب منه لفرعون ، لأنه في قوة التصريح بقلة الاكتراث بالوعيد ، وبدفع ذلك بالتوكل على الله .

والتوكل هو جُماع قوله : { استعينوا بالله واصبروا } وقد عبر عن ذلك بلفظ التوكل في قوله : { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } في سورة يونس ( 84 ) ، فإن حقيقة التوكل أنه طلب نصر الله وتأييده في الأمر الذي يُرغب حصوله ، وذلك داخل في الاستعانة وهو يستلزم الصبر على الضر لاعتقاد أنه زائل بإذن الله .

وخاطب موسى قومه بذلك تطميناً لقلوبهم ، وتعليماً لهم بنصر الله إياهم لأنه علم لأنه بوحي الله إليه .

وجملة : { إن الأرض لله } تذييل وتعليل للأمر بالاستعانة بالله والصبر ، أي : افعلوا ذلك لأن حكم الظلم لا يدوم ، ولأجل هذا المعنى فصلت الجملة .

وقوله : { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } كناية عن ترقب زوال استعباد فرعون إياهم ، قصد منها صرف اليأس عن أنفسهم الناشىء عن مشاهدة قوة فرعون وسلطانه ، بأن الله الذي خوله ذلك السلطان قادر على نزعه منه لأن ملك الأرض كلها لله فهو الذي يقدر لمن يشاء ملك شيء منها وهو الذي يقدر نزعه .

فالمراد من الأرض هنا الدنيا لأنه أليق بالتذييل وأقوى في التعليل ، فهذا إيماء إلى أنهم خارجون من مصر وسيملكون أرضاً أخرى .

وجملة : { والعاقبة للمتقين } تذييل ، فيجوز أن تكون الواو اعتراضية ، أي : عاطفة على ما في قوله : { إن الأرض لله } من معنى التعليل ، فيكون هذا تعليلاً ثانياً للأمر بالاستعانة والصبر ، وبهذا الاعتبار أوثر العطف بالواو على فصل الجملة مع أن مقتضى التذييل أن تكون مفصولة .

والعاقبة حقيقتها نهاية أمر من الأمور وآخره ، كقوله تعالى : { فكان عاقبتهما أنهما في النار } [ الحشر : 17 ] ، وقد تقدم ذكرها عند قوله تعالى : { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } في أول سورة الأنعام ( 11 ) ، فإذا عُرفَت العاقبة باللام كان المراد منها انتهاء أمر الشيء بأحسن من أوله ولعل التعريف فيها من قبيل العلم بالغلبة . وذلك لأن كل أحد يود أن يكون آخرُ أحواله خيراً من أولها ؛ لكراهة مفارقة الملائم ، أو للرغبة في زوال المنافر ، فلذلك أطلقت العاقبة معرَفة على انتهاء الحال بما يسر ويلائم ، كما قال تعالى : { والعاقبة للتقوى } [ طه : 132 ] . وفي حديث أبي سفيان قول هرقل : « وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة » فلا تطلق المعرفة على عاقبة السوء . فالمراد بالعاقبة هنا عاقبة أمورهم في الحياة الدنيا ليناسب قوله { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } وتشمل عاقبة الخير في الآخرة لأنها أهم ما يلاحظه المؤمنون . والمتقون : المؤمنون العاملون .

وجيء في جملتي : { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } بلفظين عامين ، وهما : من يشاء من عباده والمتقين ، لتكون الجملتان تذييلاً للكلام وليحرص السامعون على أن يكونوا من المتقين .

وقد علم من قوله : { والعاقبة للمتقين } أن من يشاء الله أن يورثهم الأرض هم المتقون إذا كان في الناس متقون وغيرهم ، وأن تمليك الأرض لغيرهم إمّا عارض وإمّا لاستواء أهل الأرض في عدم التقوى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال موسى لقومه من بني إسرائيل لما قال فرعون للملإ من قومه سنقتل أبناء بني إسرائيل ونستحيي نساءهم:"اسْتَعِينُوا بَاللّهِ" على فرعون وقومه فيما ينوبكم من أمركم، "واصبروا "على ما نالكم من المكاره في أنفسكم وأبنائكم من فرعون. وقوله: "إنّ الأرْضَ لِلّهِ يُوِرُثها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِباده" يقول: إن الأرض لله، لعلّ الله أن يُورِثَكم إن صَبَرتم على ما نالكم من مكروه في أنفسكم وأولادكم من فرعون، واحتسبتم ذلك، واستقمتم على السداد أرضَ فرعون وقومه، بأن يهلكهم ويستخلفكم فيها، فإن الله يورث أرضه من يشاء من عباده. "والعاقِبَةُ للْمُتّقِينَ" يقول: والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله وراقبه، فخافه باجتناب معاصيه وأدّى فرائضه.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" والعاقبة للمتقين "فالعاقبة: ما تؤدي إليه التأدية من خير أوشر، إلا أنه إذا قيل: العاقبة له فهو في الخير، فإذا قيل: العاقبة عليه فهو في الشر مثل الدائرة له وعليه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أحالهم على الله فإن رجوعَه إليه، فقال لهم: إن رجوعي -عند تحيري في أموري- إلى ربي، فليكن رجوعُكم إليه، وتوكَّلُكم عليه، وتَعَرَّضوا لنفحات يُسْرِه، فإنه حَكَمَ لأهل الصبر بجميل العُقبى...

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

قوله تعالى: {يورثها}. يعطيها. قوله تعالى: {من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}، النصر والظفر، وقيل: السعادة والشهادة، وقيل: الجنة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

قال لهم ذلك -حين قال فرعون: سنقتل أبناءهم فجزعوا منه وتضجروا- يسكنهم ويسليهم، ويعدهم النصرة عليهم، ويذكر لهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم. {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط، وأن المشيئة متناولة لهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{استعينوا بالله واصبروا} وظاهر هذا الكلام كله وعد بغيب، فكأن قوته تقتضي أنه من عند الله وليس في اللفظ شيء من ذلك...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فههنا أمرهم بشيئين وبشرهم بشيئين. أما اللذان أمر موسى عليه السلام بهما؛ فالأول: الاستعانة بالله تعالى. والثاني: الصبر على بلاء الله، وإنما أمرهم أولا بالاستعانة بالله وذلك لأن من عرف أنه لا مدبر في العالم إلا الله تعالى انشرح صدره بنور معرفة الله تعالى وحينئذ يسهل عليه أنواع البلاء، ولأنه يرى عند نزول البلاء أنه إنما حصل بقضاء الله تعالى وتقديره، واستعداده بمشاهدة قضاء الله، خفف عليه أنواع البلاء.

وأما اللذان بشر بهما؛ فالأول: قوله: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} وهذا إطماع من موسى عليه السلام قومه في أن يورثهم الله تعالى أرض فرعون بعد إهلاكه، وذلك معنى الإرث، وهو جعل الشيء للخلف بعد السلف. والثاني: قوله: {والعاقبة للمتقين} فقيل: المراد أمر الآخرة فقط، وقيل: المراد أمر الدنيا فقط وهو: الفتح والظفر والنصر على الأعداء، وقيل المراد مجموع الأمرين. وقوله: {للمتقين} إشارة إلى أن كل من اتقى الله تعالى وخافه فالله يعينه في الدنيا والآخرة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان هذا أمراً يزيد من قلق بني إسرائيل لما شموا من رائحة الفرج، استأنف سبحانه الخبر عما ثبتهم به موسى عليه السلام قائلاً: {قال موسى لقومه} أي بني إسرائيل الذين فيهم قوة وقيام فيما يريدون من الأمور لو اجتمعت قلوبهم {استعينوا} أي ألصقوا طلب العون {بالله} الذي لا أعظم منه بما يرضيه من العبادة {واصبروا} ثم علل ذلك بأنه فعال لما يريد، ولا اعتراض عليه ولا مفر من حكمه فقال: {إن الأرض} أي كلها مصر وغيرها {لله} أي الذي لا أمر لأحد معه، كرره تذكيراً بالعظمة وتصريحاً وتبركاً؛ ثم استأنف قوله: {يورثها من يشاء من عباده}. ولما أخبر أن نسبة الكل إليه واحدة، أخبر بما يرفع بعضهم على بعض فقال: {والعاقبة} أي والحال أن آخر الأمر وإن حصل بلاء {للمتقين} أي الذين يقون أنفسهم سخط الله بعمل ما يرضيه فلا عبرة بما ترون في العاجل فإنه قد يكون استدراجاً...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

تنبيه: قال الجشمي: تدل الآيات على أن قوم فرعون، لما عجزوا عن موسى في آياته، عدلوا إلى إغراء فرعون بموسى، وأوهموه أن تركه فساد في الأرض، وأنه عند ذلك أوعده. وذلك من أدلّ الدليل على نبوة موسى، لأن قتل صاحب المعجزة لا يقدح في معجزته، ولهذا قال مشايخنا: إن العرب لما عدلوا عن معارضة القرآن، التي في إيرادها إبطال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، إلى القتال، الذي لا يفيد ذلك- دلّ على عجزهم. وهكذا حال كل ضالّ مبتدع، إذا أعيته الحجة، عدل إلى التهديد والوعيد. وتدل على أن عند الخوف من الظلمة يجب الفزع إلى الله تعالى، والاستعانة به، والصبر. ولا مفزع إلا في هذين: وهو الانقطاع إلى الله تعالى بطلب المعونة في الدفع، واللطف له في الصبر. وتدل على أن العاقبة المحمودة تنال بالتقوى، وهي اتقاء الكبائر والمعاصي، انتهى...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ومن البديهي أن يخاف بنو إسرائيل هذا الوعيد وأن يطمئنهم موسى عليه السلام وهو ما بينه تعالى في قوله: {قال موسى لقومه استعينوا باللّه واصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين} أي اطلبوا معونة الله تعالى وتأييده لكم على ما سمعتم من الوعيد واصبروا ولا تجزعوا، فإن سألتم لماذا وإلى متى؟ أقل لكم إن الأرض – جنسها أو الأرض التي وعدكم ربكم إياها وهي فلسطين – لله تعالى الذي بيده ملكوت كل شيء يورثها من يشاء من عباده لا لفرعون فهي بحسب سنته تعالى دول والعاقبة الحسنة التي ينتهي إليها التنازع بين الأمم للمتقين أي الذين يتقون الله بمراعاة سننه في أسباب إرث الأرض كالاتحاد وجمع الكلمة، والاعتصام بالحق، وإقامة العدل، والصبر على المكاره، والاستعانة بالله ولاسيما عند الشدائد، ونحو ذلك مما هدى إليه وحيه وأيدته التجارب. ومراده عليه السلام أن العاقبة ستكون لكم بإرث الأرض ولكن بشرط أن تكونوا من المتقين له تعالى بإقامة شرعه، والسير على سننه في نظام خلقه، وليس الأمر كما تتوهمون ويتوهم فرعون وقومه من بقاء القوي على قوته والضعيف على ضعفه، أو أن الآلهة الباطلة ضمنت لفرعون بقاء ملكه، على عظمته وجبروته وظلمه.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} موصيا لهم في هذه الحالة، -التي لا يقدرون معها على شيء، ولا مقاومة- بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ} أي: اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا باللّه، أنه سيتم أمركم {وَاصْبِرُوا} أي: الزموا الصبر على ما يحل بكم، منتظرين للفرج. {إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ} ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها {يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [ص 301] أي: يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته، ولكن العاقبة للمتقين، فإنهم -وإن امتحنوا مدة ابتلاء من اللّه وحكمة، فإن النصر لهم، {وَالْعَاقِبَةُ} الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد، أنه عند القدرة، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير، ما يقدر عليه، وعند العجز، أن يصبر ويستعين اللّه، وينتظر الفرج...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

التوكل هو جُماع قوله: {استعينوا بالله واصبروا} وقد عبر عن ذلك بلفظ التوكل في قوله: {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} في سورة يونس، فإن حقيقة التوكل أنه طلب نصر الله وتأييده في الأمر الذي يُرغب حصوله، وذلك داخل في الاستعانة وهو يستلزم الصبر على الضر لاعتقاد أنه زائل بإذن الله...

والعاقبة حقيقتها نهاية أمر من الأمور وآخره، كقوله تعالى: {فكان عاقبتهما أنهما في النار} [الحشر: 17]... فإذا عُرفَت العاقبة باللام كان المراد منها انتهاء أمر الشيء بأحسن من أوله ولعل التعريف فيها من قبيل العلم بالغلبة. وذلك لأن كل أحد يود أن يكون آخرُ أحواله خيراً من أولها؛ لكراهة مفارقة الملائم، أو للرغبة في زوال المنافر، فلذلك أطلقت العاقبة معرَفة على انتهاء الحال بما يسر ويلائم، كما قال تعالى: {والعاقبة للتقوى} [طه: 132]... فلا تطلق المعرفة على عاقبة السوء. فالمراد بالعاقبة هنا عاقبة أمورهم في الحياة الدنيا ليناسب قوله {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} وتشمل عاقبة الخير في الآخرة لأنها أهم ما يلاحظه المؤمنون. والمتقون: المؤمنون العاملون... وقد علم من قوله: {والعاقبة للمتقين} أن من يشاء الله أن يورثهم الأرض هم المتقون إذا كان في الناس متقون وغيرهم، وأن تمليك الأرض لغيرهم إمّا عارض وإمّا لاستواء أهل الأرض في عدم التقوى...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

لم يكن لموسى وقد رأى الإرهاب لبني إسرائيل إلا أن يثبتهم، فقال لهم: {استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.

أي اجعلوا استعانتكم بالله واتكلوا عليه، واصبروا على ما ينزل بكم، ولا تحسبوه الشر الذي لا ينتهي فإن ملك فرعون زائل، وطغيانه منته، ولن يخلد أو يبقى، فإنه ستزول دولته. والأرض تكون لمن يرثها من الصالحين، والعاقبة والنهاية للمتقين، قال ذلك تثبيتا لقلوب بني إسرائيل، ومن اتبعه من المؤمنين: فقد حكى الله تعالى قولهم فقال: {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وقول كتاب الله هنا على لسان موسى عليه السلام: {استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} الآية، يمثل حقيقة دينية، وحقيقة كونية، وسنة إلهية، فالتضحية والصبر، كانا دائما ولا يزالان مفتاح الغلبة والنصر، والاستعانة بالله والاعتماد عليه بعد اتخاذ الأسباب، هما الوسيلة الفعالة للنجاح والتغلب على الصعاب، والأرض ملك لله إنما يعيرها لخلقه للارتفاع والانتفاع، وإنما يستخلف فيها – أعزاء كرماء – أولئك الذين يتقون ولا يفسقون، فإن فسقوا وظلموا وأفسدوا استبدل بهم قوما آخرين {والعاقبة للمتقين}...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} الذين يجسّدون إرادة الله في إصلاح أمر الحياة في الحكم والشريعة والعقيدة، على قاعدةٍ صلبةٍ تؤكد للإنسان مفاهيمه الواسعة الثابتة، وأوضاعه المستقيمة الهادفة، وتتحرك التقوى في داخله لتستوعب ذلك كله في خطّةٍ حكيمةٍ ممتدة، يحكم مراحلها الوعيُ والصدقُ والأمانة والإخلاص... وهكذا يريد الله من المؤمنين أن يعملوا على السير في خط التقوى في حياتهم، من أجل أن يجعلوا من أنفسهم القيادة الواعية الملتزمة التي تتحمل الصعاب والمشاق والتحديات بروحٍ قويّةٍ صابرة، لأن مسألة حكم الأرض، في مواجهة التيار الكافر الضاغط، ليست مسألة كلمات تقال، وليست انفعالاً يتشنّج ويصرخ، أو عبادةً تبتهل وتخشع، ولكنها المواقف التي تفكّر وتتقدّم وتصبر وتواجه التحديات بروح العزيمة والقوة، وبإرادة الإيمان والإخلاص الباحث دائماً عن لطف الله وروحه ورضوانه في كل خطوةٍ من خطوات الطريق...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

والآية اللاحقة بيّنت في الحقيقة خطّة موسى التي اقترحها على بني إسرائيل لمواجهة تهديدات فرعون، وشرح فيها شروط الغلبة على العدو، وذكرهم بأنّهم إذا عملوا بثلاث مبادئ انتصروا على العدو حتماً: أوّلها: الاتكال على الله فقط (قال موسى لقومه استعينوا بالله). والآخر: أن يثبتوا ولا يخافوا من تهديدات العدو: (واصبروا). وللتأكيد على هذا المطلب، ومن باب ذكر الدليل، ذكّرهم بأنّ الأرض كلّها ملك الله، وهو الحاكم عليها والمالك المطلق لها، فهو يعطيها لمن يشاء (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده). وآخر هذه المبادئ هو أن يعتمدوا التقوى لأنّ العاقبة لمن اتّقى (والعاقبة للمتقين). هذه المبادئ والشروط الثلاثة أحدها في العقيدة (الاستعانة بالله) والثّاني في الأخلاق (الصبر والثبات) والأخير في العمل (التقوى) ليست شرائط انتصار قوم بني إسرائيل وحدهم على العدو، بل كل شعب أراد الغلبة على أعدائه لابدّ له من تحقيق هذه البرامج الثلاثة فالأشخاص غير المؤمنين والجبناء الضعفاء الإرادة، والشعوب الفاسقة الغارقة في الفساد، إذا ما انتصرت فإنّ انتصارها يكون لا محالة مؤقتاً غير باق. والملفت للنظر أنّ هذه الشروط الثلاثة كل واحد منها متفرع على الآخر، فالتقوى لا تتوفر من دون الثبات والصبر في مواجهة الشهوات، وأمام بهارج العالم المادّي، كما أنّ الصبر والثبات لا يكون لهما أي بقاء ودوام من دون الإِيمان بالله...