البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (128)

{ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا } لما توعّدهم فرعون جزعوا وتضجّروا فسكنهم موسى عليه السلام وأمرهم بالاستعانة بالله وبالصبر وسلاهم ووعدهم النصر وذكرهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم .

{ إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } .

أي أرض مصر وأل فيه للعهد وهي { الأرض } التي كانوا فيها ، وقيل : { الأرض } أرض الدّنيا فهي على العموم ، وقيل : المراد أرض الجنة لقوله { وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء } وتعدّى { استعينوا } هنا بالباء وفي { وإياك نستعين } بنفسه وجاء اللهم إنا نستعينك .

{ والعاقبة للمتقين } قيل : النصر والظفر ، وقيل : الدار الآخرة ، وقيل : السعادة والشهادة ، وقيل : الجنة ، وقال الزمخشري : الخاتمة المحمودة { للمتقين } منهم ومن القبط وإنّ المشيئة متناولة لهم انتهى ، وقرأت فرقة { يورثها } بفتح الراء ، وقرأ الحسن { يورثها } بتشديد الراء على المبالغة ورويت عن حفص ، وقرأ ابن مسعود وأبيّ { والعاقبة } بالنصب عطفاً على { إن الأرض } وفي وعد موسى تبشير لقومه بالنصر وحسن الخاتمة ونتيجة طلب الإعانة توريث الأرض لهم ونتيجة الصبر العاقبة المحمودة والنصر على من عاداهم فلذلك كان الأمر بشيئين ينتج عنهما شيئان .

قال الزمخشري : فإن قلت : لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الذي قبلها ؟ قلت : هي جملة مبتدأة مستأنفة وأما { وقال الملأ } فمعطوفة على ما سبقها من قوله { قال الملأ من قوم فرعون } انتهى .