قوله : ( هَذَا ذِكْرٌ ) يقول تعالى ذكره : هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد ذكر لك ولقومك ، ذكرناك وإياهم به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( هَذَا ذِكْرٌ ) قال : القرآن .
وقوله : ( وَإنّ للْمُتّقِينَ لَحُسْنَ مآبٍ ) يقول : وإن للمتقين الذين اتّقَوْا الله فخافوه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، لحسنَ مَرْجع يرجعون إليه في الاَخرة ، ومَصِير يصيرون إليه . ثم أخبر تعالى ذكره عن ذلك الذي وعده من حُسن المآب ما هو ، فقال : جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( وَإنّ للْمُتّقِينَ لَحُسْنَ مآبٍ ) قال : لحسن منقلب .
{ هذا ذِكْرٌ } جملة فَصلت الكلامَ السابق عن الكلام الآتي بعدها قصداً لانتقال الكلام من غرض إلى غرض مثل جملة : أما بعد فكذا ومثل اسم الإِشارة المجرّد نحو { هذا وإن للطاغين لشر مئاب } [ ص : 55 ] ، وقوله : { ذلك ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] ، { وذلك ومن يعظم شعائر الله } ، في سورة [ الحج : 32 ] . قال في « الكشاف » : وهو كما يقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر : هذا وقد كان كيْتَ وكَيت اه . وهذا الأسلوب من الانتقال هو المسمى في عرف علماء الأدب بالاقتضاب وهو طريقة العرب ومن يليهم من المخضرمين ، ولهم في مثله طريقتان : أن يذكروا الخبر كما في هذه الآية وقولِ المؤلفين : هذا باب كذا ، وأن يحذفوا الخبر لدلالة الإِشارة على المقصود ، كقوله تعالى : { ذلك ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] ، أي ذلك شأن الذي عمِلوا بما دعاهم إليه إبراهيم وذكروا اسم الله على ذبائحهم ولم يذكروا أسماء الأصنام ، وقوله : { ذلك ومن يعظم شعائر الله } ، أي ذلك مثل الذين أشركوا بالله ، وقوله بعد آيات هذا وإن للطاغين لشر مئاب } [ ص : 55 ] أي هذا مآب المتقين ، ومنه قول الكاتب : هذا وقد كان كَيْت وكَيْتتِ ، وإنما صرح بالخبر في قوله : { هذا ذِكرٌ } للاهتمام بتعيين الخبر ، وأن المقصود من المشار إليه التذكر والاقتداء فلا يأخذ السامع اسم الإِشارة مأخذ الفصل المجرَّد والانتقالِ الاقتضابي ، مع إرادة التوجيه بلفظ { ذكر } بتحميله معنى حُسن السمعة ، أي هذا ذكر لأولئك المسمَّيْن في الآخرين مع أنه تذكرة للمقتدِين على نحو المعْنَيَيْن في قوله تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك في سورة الدخان } [ الزخرف : 44 ] .
ومن هنا احتمل أن تكون الإِشارة ب { هذا } إلى القرآن ، أي القرآن ذِكر ، فتكون الجملة استئنافاً ابتدائياً للتنويه بشأن القرآن رَاجعاً إلى غَرض قوله تعالى : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } [ ص : 29 ] .
والواو في { وإن للمتقين } الخ ، يجوز أن تكون للعطف الذكري ، أي انتهى الكلام السابق بقولنا { هذا } ونعطف عليه { إنَّ للمُتَّقينَ } الخ . ويجوز أن تكون واو الحال . وتقدم معنى { حسن مئاب } . واللام في { للمُتَّقينَ } لام الاختصاص ، أي لهم حسن مآب يوم الجزاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.