التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{هَٰذَا ذِكۡرٞۚ وَإِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ لَحُسۡنَ مَـَٔابٖ} (49)

عقبت السورة الكريمة على ذلك ، بعقد مقارنة بين عاقبة المؤمنين الصادقين ، وعاقبة الكافرين الجاحدين ، وذكرت جانبا مما يدور بين أهل النار من مجادلات . . فقال - تعالى - : { هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ . . . } .

قال الآلوسى : " هذا " إشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة بمحاسنهم " ذكر " أى شرف لهم . . . والمراد أن فى ذكر قصصهم . . شرف عظيم لهم . أو المعنى : هذا المذكور من الآيات نوع من الذكر الذى هو القرآن ، وذكر ذلك الانتقال من نوع من الكلام إلى آخر ، كما يقال الجاحظ فى كتبه : فهذا باب ، ثم يشرع فى باب آخر .

ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع فى آخر : هذا ، وكان كيت وكيت ، ويحذف على ما قيل الخبر فى مثل ذلك كثيرا ، وعليه { هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ . . }

وقوله - تعالى - : { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } بيان لما أعده لهم - سبحانه - فى الآخرة من عطاء جزيل ، وثواب عظيم .

والمآب : اسم مكان من آب فلان يؤوب إذا رجع ، والمراد بالمتقين : كل من تحققت فيه صفة التقوى والخوف من الله - تعالى - وعلى رأسهم الأنبياء الذين اصطفاهم الله - تعالى - واختارهم لتبليغ رسالته . أى : وإن للمتقين فى الآخرة كريم يرجعون إليه فى الآخرة . فيجدون فيه مالا عين رأت . ولا أذن سمعت . ولا خطر على قلب بشر .

واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - : { هذا ذِكْرٌ } يعود إلى ما ذكره - سبحانه - فى الآيات السابقة ، عن هؤلاء الأنبياء من ثناء وتكريم . والذكر : الشرف والفضل . أى : هذا الذى ذكرناه عن هؤلاء الأنبياء شرف لهم ، وذكر جميل يذكرون به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .