ويترك السياق زكريا في صمته وتسبيحه ، ويسدل عليه الستار في هذا المشهد ويطوي صفحته ليفتح الصفحة الجديدة على يحيى ؛ يناديه ربه من الملأ الأعلى :
( يا يحيى خذ الكتاب بقوة . . . ) .
لقد ولد يحيى وترعرع وصار صبيا ، في الفجوة التي تركها السياق بين المشهدين . على طريقة القرآن في عرضه الفني للقصص ، ليبرز أهم الحلقات والمشاهد ، وأشدها حيوية وحركة .
وهو يبدأ بهذا النداء العلوي ليحيى قبل أن يتحدث عنه بكلمة . لأن مشهد النداء مشهد رائع عظيم ، يدل على مكانة يحيى ، وعلى استجابة الله لزكريا ، في أن يجعل له من ذريته وليا ، يحسن الخلافة بعده في العقيدة وفي العشيرة . فها هو ذا أول موقف ليحيى هو موقف انتدابه ليحمل الأمانة الكبرى . ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) . . والكتاب هو التوراة كتاب بني إسرائيل من بعد موسى ، وعليه كان يقوم أنبياؤهم يعلمون به ويحكمون . وقد ورث يحيى أباه زكريا ، ونودي ليحمل العبء وينهض بالأمانة في قوة وعزم ، لا يضعف ولا يتهاون ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة . .
وبعد النداء يكشف السياق عما زود به يحيى لينهض بالتبعة الكبرى :
( وآتيناه الحكم صبيا ، وحنانا من لدنا وزكاة ، وكان تقيا ) . .
فهذه هي المؤهلات التي زوده الله بها وأعده وأعانه على احتمال ما كلفه إياه عندما ناداه . .
آتاه الحكمة صبيا ، فكان فذا في زاده ، كما كان فذا في اسمه وفي ميلاده . فالحكمة تأتي متأخرة . ولكن يحيى قد زود بها صبيا .
المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود { يا يحيى } ، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه . و { الكتاب } التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجوداً عند الناس . وقوله { بقوة } أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال { وآتيناه الحكم صبياً } ، واختلف في { الحكم } فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها ، و { صبياً } يريد شاباً لم يبلغ حد الكهول . وقال الحسن { الحكم } النبوة ، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال ، وقال فرقة { الحكم } الحكمة ، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب . وقال ابن عباس : من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن «أوتي الحكم صبياً » ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.