فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيّٗا} (12)

{ يا يحيى } أي قال الله للمولود يا يحيى ، أو ولد له مولود فبلغ المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فيه . فقلنا له يا يحيى .

وقال الزجاج : المعنى فوهبنا له وقلنا له يا يحيى أي بعد ولادته بثلاث سنين على ما قاله قتادة ، وقيل بسنتين يعني على لسان الملك كما قاله أبو حيان { خذ الكتاب } المراد به التوراة لأنه المعهود حينئذ ، ويحتمل أن يكون كتابا مختصا به وإن كنا لا نعرفه الآن .

والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي ، أو الأخذ من حيث المعنى ، وهو القيام بما فيه كما ينبغي ، وذلك بتحصيل ملكة تقضي سهولة الإقدام على المأمور به ، والإحجام على المنهي عنه ، ثم أكده بقوله { بقوة } أي متلبسا بجد ، وعزيمة ، واجتهاد قاله مجاهد .

{ وآتيناه الحكم صبيا } المراد بالحكم الحكمة ، وهي الفهم للكتاب الذي أمر بأخذه ، وفهم الأحكام الدينية ، وقيل هي العلم وحفظه والعمل به وقيل : النبوة ، وقيل العقل ، وقال مجاهد :الفهم ، وقال مالك بن دينار : اللب ، ولا مانع من حمل الحكم على جميع ما ذكر ، والجملة مستأنفة .

قال ابن عباس : أعطي الفهم ، والعبادة ، وهو ابن سبع سنين ، وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الغلمان ليحيى بن زكريا اذهب بنا نلعب فقال يحيى ما للعب خلقنا اذهبوا نصلي ، فهو قول الله { وآتيناه الحكم صبيا } أخرجه الحاكم في تاريخه ، وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا ، أخرجه البيهقي ، وأخرجه ابن أبي حاتم موقوفا عليه .