التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيّٗا} (12)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن يحيى ، فبينت ما أمره الله - تعالى به ، وما منحه من صفات فاضلة . فقال - تعالى - : { يايحيى . . . } .

وقوله - سبحانه - : { يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ } مقول لقول محذوف ، والسر فى حذفه المسارعة إلى الإخبار بإنجاز الوعد الكريم .

والتقدير : وبعد أن ولد يحيى ، ونما وترعرع قلنا له عن طريق وحينا : { يايحيى خُذِ الكتاب } الذى هو التوراة { بِقُوَّةٍ } أى : بجد واجتهاد ، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح ، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب ، فإن بركة العلم فى العمل به .

والجار والمجرور { بِقُوَّةٍ } حال من فاعل خذ وهو يحيى ، والباء للملابسة أى : خذه حالة كونك ملتبساً بحفظه وتنفيذ أحكامه بشدة وثبات .

وقوله : { وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً } أى : وأعطيناه بقدرتنا وفضلنا { الحكم } أى : فهم الكتاب والعمل بأحكامه ، وهو فى سن الصبا .

قيل : كان سنه ثلاث سنين ، وقيل سبع سنين .

قال الآلوسى : " أخرج أبو نعيم ، وابن مردويه ، والديلمى ، عن ابن عباس ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى ذلك : " أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين " .

وقال الجمل فى حاشيته : " فإن قلت : كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا ؟ .

قلت : لأن أصل النبوة مبنى على خرق العادات . إذا ثبت هذا . فلا تمنع صيروة الصبى نبيا . وقيل : أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير . . .

والذى تطمئن إليه النفس وعليه جمهور المفسرين أن المراد بالحكم هنا : العلم النافع مع العمل به ، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها .

قال ابن كثير : { وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً } أى : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه ، وهو صغير حدث .

قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خلقنا . قال : فلهذا أنزل الله : { وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً } .