( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )راعون لأماناتهم وعهدهم أفرادا ؛ وراعون لأماناتهم وعهدهم جماعة . .
والأمانات كثيرة في عنق الفرد وفي عنق الجماعة ؛ وفي أولها أمانة الفطرة ؛ وقد فطرها الله مستقيمة متناسقة مع ناموس الوجود الذي هي منه وإليه شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته ، بحكم إحساسها الداخلي بوحدة الناموس الذي يحكمها ويحكم الوجود ، ووحدة الإرادة المختارة لهذا الناموس المدبرة لهذا الوجود . . والمؤمنون يرعون تلك الأمانة الكبرى فلا يدعون فطرتهم تنحرف عن استقامتها ، فتظل قائمة بأمانتها شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته . ثم تأتي سائر الأمانات تبعا لتلك الأمانة الكبرى .
والعهد الأول هو عهد الفطرة كذلك . هو العهد الذي قطعه الله على فطرة البشر بالإيمان بوجوده وبتوحيده . وعلى هذا العهد الأول تقوم جميع العهود والمواثيق . فكل عهد يقطعه المؤمن يجعل الله شهيدا عليه فيه ، ويرجع في الوفاء به إلى تقوى الله وخشيته .
والجماعة المسلمة مسؤولة عن أماناتها العامة ، مسؤولة عن عهدها مع الله تعالى ، وما يترتب على هذا العهد من تبعات . والنص يجمل التعبير ويدعه يشمل كل أمانة وكل عهد . ويصف المؤمنين بأنهم لأماناتهم وعهدهم راعون . فهي صفة دائمة لهم في كل حين . وما تستقيم حياة الجماعة إلا أن تؤدى فيها الأمانات ؛ وترعى فيها العهود ؛ ويطمئن كل من فيها إلى هذه القاعدة الأساسية للحياة المشتركة ، الضرورية لتوفير الثقة والأمن والاطمئنان .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول: يحافظون على أداء الأمانة، ووفاء العهد.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"وَالّذِينَ هُمْ لأَماناتِهمْ" التي ائتمنوا عليها "وعهدهم"، وهو عقودهم التي عاقدوا الناس "راعُونَ "يقول: حافظون لا يضيعون، ولكنهم يوفون بذلك كله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
تحتمل الأمانات العبادات أو الفرائض التي فرضت عليهم، راعوها أي أدوها في أوقاتها، والعهود التي فيما بينهم وبين الخلق راعوها أي حفظوها، وأدوها إلى أربابها، ولم يضيعوها والله أعلم.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{والذين هم لأماناتهم} ما ائتمنوا عليه من أمر الدين والدنيا...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
يقال: رعى كذا: إذا قام بالمصلحة فيه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «وكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
والأمانات تختلف فتكون بين الله تعالى وبين العبد كالصلاة والصيام والعبادات التي أوجبها الله عليه، وتكون بين العبيد كالودائع والصنائع، فعلى العبد الوفاء بجميعها.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
...الراعي: القائم على الشيء بحفظ وإصلاح، كراعي الغنم وراعي الرعية... ويحتمل العموم في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الخلق، والخصوص فيما حملوه من أمانات الناس وعهودهم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والأمانة: العهد تجمع كل ما تحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولاً وفعلاً، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك، ورعاية ذلك حفظه والقيام به، والأمانة أعم من العهد، إذ كل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد، وقد تعن أمانة فيما لم يعهد فيه تقدم، وهذا إذا أخذناهما بنسبتهما إلى العبد، فإن أخذناهما من حيث هما عهد الله إلى عباده وأمانته التي حملهم كانا في رتبة واحدة.
اعلم أن الأمانة تتناول كل ما ترْكه يكون داخلا في الخيانة، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} فمن ذلك العبادات التي المرء مؤتمن عليها وكل العبادات تدخل في ذلك... ومن جملة ذلك ما يلتزمه بفعل أو قول فيلزمه الوفاء به كالودائع والعقود وما يتصل بهما. ومن ذلك الأقوال التي يحرم بها العبيد والنساء لأنه مؤتمن في ذلك، ومن ذلك أن يراعى أمانته فلا يفسدها بغصب أو غيره. وأما العهد فإنه دخل فيه العقود والأيمان والنذور، فبين سبحانه أن مراعاة هذه الأمور والقيام بها معتبر في حصول الفلاح.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
والآية عند أكثر المفسرين عامة في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الناس، كالتكاليف الشرعية والأموال المودعة والإيمان والنذور والعقود ونحوها، وجمعت الأمانة دون العهد قيل لأنها متنوعة متعددة جداً بالنسبة إلى كل مكلف من جهته تعالى ولا يكاد يخلو مكلف من ذلك ولا كذلك العهد. وجوز بعض المفسرين كونها خاصة فيما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الناس وليس بذاك، ويجوز عندي أن يراد بالأمانات ما ائتمنهم الله تعالى عليه من الأعضاء والقوى، والمراد برعيها حفظها عن التصرف بها على خلاف أمره عز وجل. وأن يراد بالعهد ما عاهدهم الله تعالى عليه مما أمرهم به سبحانه بكتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والمراد برعيه حفظه عن الإخلال به، وذلك بفعله على أكمل وجه. فحفظ الأمانات كالتخلية وحفظ العهد كالتحلية. وكأنه جل وعلا بعد أن ذكر حفظهم لفروجهم ذكر حفظهم لما يشملها وغيرها،
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذا عام في جميع الأمانات التي هي حق لله، والتي هي حق للعباد،... فجميع ما أوجبه الله على عبده أمانة، على العبد حفظها بالقيام التام بها، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين، كأمانات الأموال والأسرار ونحوهما، فعلى العبد مراعاة الأمرين، وأداء الأمانتين... وكذلك العهد، يشمل العهد الذي بينهم وبين ربهم والذي بينهم وبين العباد، وهي الالتزامات والعقود، التي يعقدها العبد، فعليه مراعاتها والوفاء بها، ويحرم عليه التفريط فيها وإهمالها...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) راعون لأماناتهم وعهدهم أفرادا؛ وراعون لأماناتهم وعهدهم جماعة.. والأمانات كثيرة في عنق الفرد وفي عنق الجماعة؛ وفي أولها أمانة الفطرة؛ وقد فطرها الله مستقيمة متناسقة مع ناموس الوجود الذي هي منه وإليه... والمؤمنون يرعون تلك الأمانة الكبرى فلا يدعون فطرتهم تنحرف عن استقامتها، فتظل قائمة بأمانتها شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته. ثم تأتي سائر الأمانات تبعا لتلك الأمانة الكبرى...
والعهد الأول هو عهد الفطرة كذلك. هو العهد الذي قطعه الله على فطرة البشر بالإيمان بوجوده وبتوحيده. وعلى هذا العهد الأول تقوم جميع العهود والمواثيق. فكل عهد يقطعه المؤمن يجعل الله شهيدا عليه فيه، ويرجع في الوفاء به إلى تقوى الله وخشيته...
والجماعة المسلمة مسؤولة عن أماناتها العامة، مسؤولة عن عهدها مع الله تعالى، وما يترتب على هذا العهد من تبعات...
والنص يجمل التعبير ويدعه يشمل كل أمانة وكل عهد. ويصف المؤمنين بأنهم لأماناتهم وعهدهم راعون. فهي صفة دائمة لهم في كل حين. وما تستقيم حياة الجماعة إلا أن تؤدى فيها الأمانات؛ وترعى فيها العهود؛ ويطمئن كل من فيها إلى هذه القاعدة الأساسية للحياة المشتركة، الضرورية لتوفير الثقة والأمن والاطمئنان...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فالأمانة تكون غالباً من النفائس التي يخشى صاحبها عليها التلف فيجعلها عند من يظن فيه حفظها، وفي الغالب يكون ذلك على انفراد بين المؤتمِنِ والأمين، فهي لنفاستها قد تغري الأمين عليها بأن لا يردها وبأن يجحدها ربها، ولكون دفعها في الغالب عَرِيّاً عن الإشهاد تبعث محبتها الأمينَ على التمسك بها وعدم ردها، فلذلك جعل الله ردّها من شعب الإيمان...
والعهد: التزام بين اثنين أو أكثر على شيء يعامِل كل واحد من الجانبين الآخرَ به. وسمي عهداً لأنهما يتحَالفان بعهد الله، أي بأن يكون الله رقيباً عليهما في ذلك لا يفيتهم المؤاخذة على تخلفه، وتقدم عند قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} في سورة البقرة (27). والوفاء بالعهد من أعظم الخلق الكريم لدلالته على شرف النفس وقوة العزيمة، فإن المرأيْنِ قد يلتزم كل منهما للآخر عملاً عظيماً فيصادف أن يتوجه الوفاء بذلك الالتزام على أحدهما فيصعب عليه أن يتجشم عملاً لنفع غيره بدون مقابل ينتفع به هو، فتسول له نفسه الخَتْر بالعهد شحّاً أو خوراً في العزيمة، فلذلك كان الوفاء بالعهد علامة على عظم النفس قال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} [الإسراء: 34]. والرعي: مراقبة شيء بحفظه من التلاشي وبإصلاح ما يفسد منه، فمنه رعي الماشية، ومنه رَعي الناس، ومنه أطلقت المراعاة على مَا يستحقه ذو الأخلاق الحميدة من حسن المعاملة. والقائم بالرعي رَاع...
فرعي الأمانة: حفظها، ولما كان الحفظ مقصوداً لأجل صاحبها كان ردها إليه أولى من حفظها...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
إن التنويه بالذين يرعون أماناتهم والتنديد بمن يخونونها والأمر بأداء الأمانات إلى أهلها قد تكرر في القرآن والسنة مما يدل على ما أسبغ كتاب الله وسنة رسوله على هذا الأمر الخطير المتصل بصلات الناس ومعاملاتهم وحقوقهم ومعايشهم وثقتهم اتصالا شديدا، والذي قد ينتج عن الإخلال به العداوة والبغضاء والنزاع في المجتمع الإسلامي، والذي يناقض الإخلال به في حد ذاته المعاني الجليلة المنطوية في الإيمان والإسلام...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
فلا مجال لأن يخون المؤمنون ما التزموا به أمام الله، وأمام الناس، لأن حفظ الأمانة هو سرّ الإيمان الذي يعني مسؤولية المؤمن بين يدي الله في ما يفرضه واجبه الشرعي من حفظ ما ائتمن عليه من دماء الناس وأموالهم وأعراضهم في إطار الخطوط الشرعية العامة، أو في التزاماته الذاتية من خلال ما يلزم به نفسه مع الآخرين.. فإنه مسؤول عن ذلك أمام الله، باعتبار أن ذلك علامة بارزة من علامات الإيمان. والعهد كالأمانة، مسؤولية المؤمن، باعتبار أنه يضبط حركة العلاقات الاجتماعية بين الناس، ويشكل حفظه قاعدة التوازن في النظام العام، فإذا حفظت العهود والمواثيق التي تنظم للناس علاقاتهم، تمكّن المجتمع من تحصيل الاستقرار والثبات، أما إذا تحوّلت إلى ما يشبه الفوضى، فقد المجتمع قوّته وتوازنه.. ولذلك كانت رعاية العهد، كما رعاية الأمانة، قاعدةً إيمانيةً تحدد ملامح المسلم الحقيقية، التي تقرّبه من الله، وتدنيه من جنته...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وأشارت الآية إلى الصفتين الخامسة والسادسة من صفات المؤمنين البارزة، حيث تقول:"والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" إنّ المحافظة على «الأمانة» بالمعنى الواسع للكلمة، وكذلك الالتزام بالعهد والميثاق بين يدي الخالق والخلق من صفات المؤمنين البارزة. وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة الله ورسوله إضافة إلى أمانات الناس، وكذلك ما أنعم الله على خلقه. وتضمّ أيضاً أمانة الله الدين الحقّ والكتب السماوية وتعاليم الأنبياء القدماء، وكذلك الأموال والأبناء والمناصب جميعها أمانات الله سبحانه وتعالى بيد البشر، يسعى المؤمنون في المحافظة عليها وأداء حقّها، ويحرسونها ما داموا أحياءاً...
وهناك تعابير قرآنية عديدة تدلّ على عمومية وشمولية العهد، منها: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم".
والجدير بالملاحظة أنّ بعض آيات القرآن عبّرت عن ذلك العهد بأداء الأمانة وعدم خيانتها والمحافظة عليها، و«رعاية الأمانة» التي استعملت في الآية السابقة تضمّ معنى الأداء والمحافظة.
فعلى هذا فانّ التقصير في المحافظة على الأمانة والذي يؤدّي إلى وقوع ضرر أو تعرّضها للخطر، يوجب على الأمين إصلاحها وبهذا تترتّب ثلاثة واجبات على الأمين: الأداء، والمحافظة، والإصلاح، فلابدّ أن يكون الالتزام بما تعهّد به المرء والمحافظة عليه.
وأداء الأمانة من أهمّ القواعد في النظام الاجتماعي، ودون ذلك يسود التخبّط في المجتمع. ولهذا السبب نرى شعوباً لا تتمسّك عامّتها بالدين، إلاّ أنّها سعياً منها لمنع الاضطراب تفرض على نفسها رعاية العهد والأمانة، وتعتبر نفسها مسؤولة أمام هذين المبدأين في أقلّ تقدير في القضايا الاجتماعية العامّة...