{ ألا تزر وازرة وزر أخرى } أن هي المخففة من الثقيلة وهي بما بعدها في محل الجر بدلا مما { في صحف موسى } ، أو الرفع على هو أن { لا تزر } كأنه قيل ما في صحفهما ؟ فأجاب به ، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يخالف ذلك قوله : { كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } وقوله عليه الصلاة والسلام ، " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره .
قوله جلّ ذكره : { أَلاََّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى } .
الناسُ في سَعْيِهم مختلِفون ؛ فَمَنْ كان سعيُهُ في طلب الدنيا خَسِرت صفقتُه ، ومن كان سعيُهُ في طَلَبِ الجنة ربحت صفقته ، ومن كان سعيُهُ في رياضة نَفْسِه وصل إلى رضوان الله ، ومَنْ كان سعيُه في الإرادة شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَه ثم هداه إلى نَفْسِه .
وأمَّا المُذْنِبُ - فإِذا كان سعيُهُ في طلب غفرانه ، ونَدَمِ القلبِ على ما اسودَّ من ديوانه ، فسوف يجد من الله الثوابَ والقربة والكرامة والزلفة .
ومَنْ كان سَعْيُه في عَدِّ أنفاسِه مع الله ؛ لا يُعَرِّج على تقصير ، ولا يُفَرِّط في مأمور فسيرى جزاءَ سَعْيهِ مشكوراً في الدنيا والآخرة ، ثم يشكره بأَنْ يُخاطِبَه في ذلك المعنى بإِسماعهِ كلامَه من غير واسطة : عبدي ، سَعْيُك مشكور ، عبدي ، ذَنْبُكَ مغفور .
{ أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى } أي أنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل حمل نفس أخرى على أن { أن } هي المخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف ، والجملة المنفية خبرها ومحل الجملة الجر على أنها بدل مما { في صحف موسى } [ النجم : 36 ] ، أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والاستئناف بياني كأنه قيل : ما في صحفهما ؟ فقيل : هو { أَن لا تَزِرُ } الخ ، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ليتخلص الثاني عن عقابه ، ولا يقدح في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » فإن ذلك وزر الإضلال الذي هو وزره لا وزر غيره .
و ( أن ) فى قوله - تعالى - : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } مخففة من الثقيلة . واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة بدل من صحف موسى وإبراهيم .
وقوله { تَزِرُ } من الوزر بمعنى الحمل . . وقوله { وَازِرَةٌ } صفة لموصوف محذوف . أى : نفس وازرة .
والمعنى : إذا كان هذا الإنسان المتولى عن الحق . . . جاهلا بكل ما يجب العلم به من شئون الدين ، فهلا سأل العلماء عن صحف موسى وإبراهيم - عليهما السلام - ففيها أنه لا تحمل نفس آثمة حمل أخرى يوم القيامة .
قال الآلوسى : وقوله : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } أى : أنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل ، حمل نفس أخرى . . . ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره . ليتخلص الثانى من عقابه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ألا تزر وازرة وزر أخرى} يقول: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "فإن من قوله: "ألاّ تَزِرُ" على التأويل الذي تأوّلناه في موضع خفض ردّا على «ما» التي في قوله "أمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى" يعني بقوله: "ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" غيرها، بل كل آثمة فإنما إثمها عليها...
وإنما عُنِي بقوله: "ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" الذي ضَمِن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة، يقول: ألم يُخْبَرْ قائل هذا القول، وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب: أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها. "وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى" يقول جلّ ثناؤه: أوَ لم يُنَبأ أنه لا يُجازى عامل إلاّ بعمله، خيرا كان ذلك أو شرّا...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ألاّ تزِر وازرة وِزر أخرى} فيه أن هذا في الكتب كلها في صحف إبراهيم وموسى وغيرهما من الكتب: ألا يحتمل أحد وِزر آخر، إنما يحتمل وِزر نفسه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
كأن قائلاً قال: وما في صحف موسى وإبراهيم، فقيل: أن لا تزر...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الوِزْرُ» في الأصل مأخوذ من «الوَزَرِ» على زنة خطر ومعناه المأوى أو الكهف أو الملجأ الجبلي، ثمّ استعلمت هذه الكلمة في الأعباء الثقيلة! لشباهتها الصخور الجبلية العظيمة، وأطلقت على الذنب أيضاً، لأنّه يترك عبئاً ثقيلا على ظهر الإنسان.