وبهذا تنتهي تلك الجولة المديدة في الأنفس والآفاق ، لتبدأ بعدها جولة في مصارع الغابرين ، بعدما جاءتهم النذر فكذبوا بها كما يكذب المشركون . وهي جولة مع قدرة الله ومشيئته وآثارها في الأمم قبلهم واحدة واحدة .
( وأنه أهلك عادا الأولى . وثمود فما أبقى . وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى . والمؤتفكة أهوى . فغشاها ما غشى . فبأي آلاء ربك تتمارى ? )
إنها جولة سريعة . تتألف من وقفة قصيرة على مصرع كل أمة ، ولمسة عنيفة تخز الشعور وخزا .
وعاد وثمود وقوم نوح يعرفهم قارئ القرآن في مواضع شتى ! والمؤتفكة هي أمة لوط . من الإفك والبهتان والضلال . . وقد أهواها في الهاوية وخسف بها
52- { وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى } .
وأهلك الله بقدرته قوم نوح بالطوفان الذي أتى عليهم أجمعين ، وقد كانوا أشد ظلما ، وأعظم طغيانا ممن جاء بعدهم ، فقد مكث نوح فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وما آمن معه إلا قليل منهم ، وهم الذين ركبوا السفينة مع نوح عليه السلام .
وقوله : { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ . . } أى : وأهلك - أيضا - قوم نوح من قبل إهلاكه لعاد وثمود . .
{ إِنَّهُمْ كَانُواْ } أى : قوم نوح { هُمْ أَظْلَمَ وأطغى } أى : هم كانوا أشد فى الظلم والطغيان من عاد وثمود ، فقد آذوا نوحا - عليه السلام - أذى شديدا ، استمر صابرا عليه زمنا طويلا . وكان هلاكهم بالطوفان ، كما قال - تعالى - : { فَأَخَذَهُمُ الطوفان وَهُمْ ظَالِمُونَ } وقدم قبيلتى عاد وثمود فى الذكر على قوم نوح - مع أن قوم نوح أسبق - لأن هاتين القبيلتين كانتا مشهورتين عند العرب أكثر ، وديارهم معروفة لهم .
قوله : { وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى } أي أهلك الله قوم نوح بالطوفان من قبل مهلك عاد وثمود . وقد كانوا أشد من الذين جاءوا من بعدهم كفرا وجحودا وأفظع عتوا وتمردا . وفي ذلك تأنيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليبصر وليعلم أن الله المنتقم الجبار مهلك الظالمين والمجرمين ، وأن العاقبة للمؤمنين المتقين الصابرين .