المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (30)

30- قالوا : يا قومنا إنا سمعنا كتاباً عظيم الشأن ، أنزل من بعد موسى ، مصدقاً لما تقدمه من الكتب الإلهية ، يرشد إلى الحق في الاعتقاد ، وإلى شريعة قويمة في العمل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (30)

29

فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم ، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه ، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به . وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد ، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب ، يدفعه دفعا إلى الحركة به والاحتفال بشأنه ، وإبلاغه للآخرين في جد واهتمام :

( قالوا : يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ، مصدقا لما بين يديه ، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) . .

ولوا إلى قومهم مسارعين يقولون لهم : إنا سمعنا كتابا جديدا أنزل من بعد موسى ، يصدق كتاب موسى في أصوله . فهم إذن كانوا يعرفون كتاب موسى ، فأدركوا الصلة بين الكتابين بمجرد سماع آيات من هذا القرآن ، قد لا يكون فيها ذكر لموسى ولا لكتابه ، ولكن طبيعتها تشي بأنها من ذلك النبع الذي نبع منه كتاب موسى . وشهادة هؤلاء الجن البعيدين - نسبيا - عن مؤثرات الحياة البشرية ، بمجرد تذوقهم لآيات من القرآن ، ذات دلالة وذات إيحاء عميق .

ثم عبروا عما خالج مشاعرهم منه ، وما أحست ضمائرهم فيه ، فقالوا عنه :

( يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) . .

ووقع الحق والهدى في هذا القرآن هائل ضخم ، لا يقف له قلب غير مطموس ؛ ولا تصمد له روح غير معاندة ولا مستكبرة ولا مشدودة بالهوى الجامح اللئيم . ومن ثم لمس هذه القلوب لأول وهلة ، فإذا هي تنطق بهذه الشهادة ، وتعبر عما مسها منه هذا التعبير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (30)

ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرًا عنهم : { قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ] } {[26590]} ، ولم يذكروا عيسى ؛ لأن عيسى ، عليه السلام ، أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم ، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة ، فالعمدة هو التوراة ؛ فلهذا قالوا : أنزل من بعد موسى . وهكذا قال ورقة بن نوفل ، حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بقصة نزول جبريل [ عليه السلام ] {[26591]} عليه أول مرة ، فقال : بَخ بَخ ، هذا الناموس الذي كان يأتي موسى ، يا ليتني أكون فيها جَذَعًا .

{ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : من الكتب المنزلة قبله على الأنبياء . وقولهم : { يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ } أي : في الاعتقاد والإخبار ، { وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } في الأعمال ، فإن القرآن يشتمل على شيئين {[26592]} خبر وطلب{[26593]} ، فخبره صدق ، وطلبه عدل ، كما قال : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا } [ الأنعام : 115 ] ، وقال { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } [ التوبة : 33 ] ، فالهدى هو : العلم النافع ، ودين الحق : هو العمل الصالح . وهكذا قالت الجن : { يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ } في الاعتقادات ، { وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } أي : في العمليات .


[26590]:- (6) زيادة من أ.
[26591]:- (1) زيادة من أ.
[26592]:- (2) في ت: "نوعين".
[26593]:- (3) في أ: "خبرا وطلبا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (30)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَقَوْمَنَآ إِنّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىَ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ وَإِلَىَ طَرِيقٍ مّسْتَقِيمٍ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين صُرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجن لقومهم لما انصرفوا إليهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا قَوْمَنا من الجنّ إنّا سَمِعْنا كِتابا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ كتاب مُوسَى مُصَدّقا لِمَا بَيَنَ يَدَيْهِ يقول : يصدّق ما قبله من كتب الله التي أنزلها على رَسُله .

وقوله : يَهْدِي إلى الحَقّ يقول : يرشد إلى الصواب ، ويدلّ على ما فيه لله رضا وَإلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يقول : وإلى طريق لا اعوجاج فيه ، وهو الإسلام . وكان قتادة يقول في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا سعيد عن قتادة أنه قرأ قالُوا يا قَوْمَنا إنّا سَمِعْنا كِتابا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدّقا لِمَا بَينَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الحَقّ وَإلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ فقال : ما أسرع ما عقل القوم ، ذُكر لنا أنهم صُرِفوا إليه من نينوي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (30)

المعنى : قال هؤلاء المنذرون لما بلغوا قومهم { يا قومنا إنا سمعنا كتاباً } وهو القرآن العظيم ، وخصصوا { موسى } عليه السلام لأحد أمرين : إما لأن هذه الطائفة كانت تدين بدين اليهود ، وإما لأنهم كانوا يعرفون أن موسى قد ذكر محمداً وبشر به ، فأشاروا إلى موسى من حيث كان هذا الأمر مذكوراً في توراته . قال ابن عباس في كتاب الثعلبي : لم يكونوا علموا أمر عيسى عليه السلام ، فلذلك قالوا { من بعد موسى } . وقولهم : { مصدقاً لما بين يديه } يؤيد هذا . و : { ما بين يديه } هي التوراة والإنجيل . و { الحق } و «الطريق المستقيم » هنا بمعنى يتقارب لكن من حيث اختلف اللفظ ، وربما كان { الحق } أعم ، وكأن أحدهما قد يقع في مواضع لا يقع فيها الآخر حسن التكرار .