السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (30)

ولما كان كأنه قيل ما قالوا لهم في إنذارهم ؟ قيل : { قالوا يا قومنا } مترققين لهم ، ومترفقين بهم بذكر ما يدل على أنهم منهم ، يهمهم ما يهمهم { إنا سمعنا } أي : ما بيننا وبين القارىء واسطة . وأشاروا إلى أنه لم ينزل بعد التوراة شيء جامع لجميع ما يراد منه ، مغن عن جميع الكتب غير هذا . وبذلك عرفوا أنه ناسخ لجميع الشرائع بقولهم : { كتاباً } أي : ذكراً جامعاً ، لا كما نزل بعد التوراة على بني إسرائيل { أنزل } أي : ممن لا منزل غيره ، وهو ملك الملوك لأنّ عليه من رونق الكتب الإلهية ما يوجب القطع لسامعه بأنه منها ، فكيف إذا انضم إلى ذلك الإعجاز ؟ وعلموا قطعاً بعربيته أنه عربي ، وبأنهم كانوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ويسمعون قراءة الناس لما يحدثونه من الحكم والخطب والكهانة والرسائل والأشعار ، وأنه مباين لجميع ذلك { من بعد موسى } فلم يقتدوا بما أنزل بين هذا الكتاب وبين التوراة ، من الإنجيل وما قبله ، لأنه لا يساوي التوراة في الجمع ، وروي عن عطاء والحسن : إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهوداً . «وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الجنّ ما سمعوا أمر عيسى ، فلذلك قالوا من بعد موسى » . ولما أخبروا بأنه منزل ، أتبعوه ما يشهد له بالصحة بقولهم : { مصدقاً لما بين يديه } أي : من جميع كتب بني إسرائيل الإنجيل وما قبله ، ثم بينوا تصديقه بقولهم : { يهدي إلى الحق } الأمر الثابت الذي يطابق الواقع ، فلا يقدر أحد على إزالة شيء مما يخبر به الكامل في جميع ذلك { وإلى طريق } موصل إلى المقصود { مستقيم } لا عوج فيه .