وبهذا تنتهي تلك الجولة المديدة في الأنفس والآفاق ، لتبدأ بعدها جولة في مصارع الغابرين ، بعدما جاءتهم النذر فكذبوا بها كما يكذب المشركون . وهي جولة مع قدرة الله ومشيئته وآثارها في الأمم قبلهم واحدة واحدة .
( وأنه أهلك عادا الأولى . وثمود فما أبقى . وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى . والمؤتفكة أهوى . فغشاها ما غشى . فبأي آلاء ربك تتمارى ? )
إنها جولة سريعة . تتألف من وقفة قصيرة على مصرع كل أمة ، ولمسة عنيفة تخز الشعور وخزا .
وعاد وثمود وقوم نوح يعرفهم قارئ القرآن في مواضع شتى ! والمؤتفكة هي أمة لوط . من الإفك والبهتان والضلال . . وقد أهواها في الهاوية وخسف بها
عادا الأولى : أُولى القوم هلاكا بعد قوم نوح ، وعادا الأخرى من ولد عاد الأولى .
50- { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى } .
وعاد هم قوم هود ، وهم أوَّل قبيلة أُهلكت بعد طوفان نوح عليه السلام ، وكانوا أقوياء أشداء ، نصحهم نبي الله هود ودعاهم للإيمان فامتنعوا ، وظنوا أن قوَّتهم تقف في وجه من يعذبهم ، فأرسل الله عليهم ريحا عاتية قضت عليهم ، وأهلكهم الله جزاء عدوانهم .
قال ابن كثير : وهم قوم هود ، ويقال لهم : عاد ابن إرم .
كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } . ( الفجر : 2-8 ) .
فكانوا من أشد الناس وأقواهم ، وأعتاهم على الله تعالى ، وعلى رسوله ، فأهلكهم الله بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . ( الحاقة : 6 )
قوله تعالى : { وأنه أهلك عاداً الأولى } قرأ أهل المدينة والبصرة بلام مشددة بعد الدال ، ويهمز واوه قالون عن نافع ، والعرب تفعل ذلك فتقول : قم لان عنا ، تريد : قم الآن ، ويكون الوقف عندهم عاداً ، والابتداء ألولى ، بهمزة واحدة مفتوحة بعدها لام مضمونة ، ويجوز الابتداء : لولى بحذف الهمزة المفتوحة . وقرأ الآخرون : عاداً الأولى ، وهم قوم هود أهلكوا بريح صرصر ، فكان لهم عقب ، فكانوا عاداً الأخرى .
قوله تعالى : " وأنه أهلك عادا الأولى " سماها الأولى لأنهم كانوا من قبل ثمود . وقيل : إن ثمود من قبل{[14438]} عاد . وقال ابن زيد : قيل لها عاد الأولى لأنها أول أمة أهلكت بعد نوح عليه السلام . وقال ابن إسحاق : هما عادان فالأولى أهلكت بالريح الصرصر ، ثم كانت الأخرى فأهلكت بالصيحة . وقيل : عاد الأولى هو عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، وعاد الثانية من ولد عاد الأولى ، والمعنى متقارب . وقيل : إن عاد الآخرة الجبارون وهم قوم هود . وقراءة العامة " عادا الأولى " ببيان التنوين والهمز . وقرأ نافع وابن محيصن وأبو عمرو " عادا الأولى " بنقل حركة الهمزة إلى اللام وإدغام التنوين فيها ، إلا أن قالون والسوسي يظهران الهمزة الساكنة . وقلبها الباقون واوا على أصلها ، والعرب تقلب هذا القلب فتقول : قم الاَّن عنا وضُمَّ لِثْنَيْن أي قم الآن وضم الاثنين .