ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله ، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين :
( أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين ) . .
وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين ؛ استهزاء بآياته ، وسخرية من رسوله ، واعتداء على دينه . . وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم .
يتعلق قوله : { أن كان ذا مال وبنين } بفعل { قَال } بتقدير لام التعليل محذوفة قبل { أنْ } ، وهو حذف مطرد تعلق بذلك الفعل ظرف هو { إذا تتلى } ومجرور هو { أن كان ذا مال } ، ولا بدع في ذلك وليست { إذا } بشرطية هنا فلا يهولنك قولهم : إن ( مَا ) بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ، على أنها لو جعلت شرطية لما امتنع ذلك لأنهم يتوسعون في المجرورات ما لا يتوسعون في غيرها وهذا مجرور باللام المحذوفة .
والمراد : كل من كان ذا مال وبنين من كبراء المشركين كقوله تعالى : { وذَرْني والمكذبين أولِي النعمة } [ المزمل : 11 ] . وقيل : أريد به الوليد بن المغيرة إذ هو الذي اختلق أن يقول في القرآن { أساطير الأولين } وقد علمت ذلك عند تفسير قوله تعالى : { ولا تطِعْ كلّ حلاّف مهين } [ القلم : 10 ] . وكان الوليد بن المغيرة ذا سعة في المال كثير الأبناء وهو المعنيُّ بقوله تعالى : { ذرني ومن خلقتُ وحيداً وجعلتُ له مالاً ممدوداً وبنينَ شهوداً } إلى قوله : { إن هذا إلاّ قول البشر } [ المدثر : 1125 ] . والوجه أن لا يختص هذا الوصف به . وأن يكون تعريضاً به .
والأساطير : جمع أسطورة وهي القصة ، والأسطورة كلمة معربة عن الرومية كما تقدم عند قوله تعالى : { يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } في الأنعام ( 25 ) وقوله : { وَإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأولين } في سورة النحل ( 24 ) .
وختمت الأوصاف المحذر عن إطاعة أصحابها بوصف التكذيب ليُرجع إلى صفة التكذيب التي انتُقل الأسلوب منها من قوله : { فلا تطع المكذبين } [ القلم : 8 ] .
وقرأ الجمهور { أنْ كان ذا مال } بهمزة واحدة على أنه خبر . وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بهمزتين مخففتين فهو استفهام إنكاري . وقرأه ابن عامر بهمزة ومَدَّة بجعل الهمزة الثانية ألفاً للتخفيف .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إذا تتلى عليه} يعني الوليد {آياتنا} يعني القرآن {قال أساطير الأولين}، يقول: أحاديث الأولين وكذبهم، وهو حديث رستم واسفنديار...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إذا تقرأ عليه آيات كتابنا، قال: هذا مما كتبه الأوّلون، استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم أخبر عن معاملته رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} وإن كان عاما بظاهره، لكن لم يرد به العموم، لأن قوله تعالى: {أساطير الأولين} ليس في كل الآيات، وإنما هو في الآيات التي هي في حق الإخبار عن الأمم السالفة. وأما إذا تليت عليه الآيات التي فيها دلالة إثبات الرسالة ودلالة التوحيد ودلالة البعث، فيقول فيها ما قال في سورة المدثر: {فقال إن هذا إلا سحر يؤثر} {إن هذا إلا قول البشر} [الآيتان: 24 و25] وهذا دليل على ألا يجب اعتقاد ظاهر العموم ما لم يعلم بيقين، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي أحاديث الأولين التي سطرت وكتبت لا أصل له...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقال الكسائي: ترهات من الكلام لا نظام لها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إذا تتلى} أي تذكر على سبيل المتابعة {عليه} ولو كان ذلك على سبيل الخصوص له {آياتنا} أي العلامات الدالة دلالة في غاية الظهور على الملك الأعلى، وعلى ما له من صفات العظمة، {قال} أي فاجأ هذا القول من غير تأمل ولا توقف عوضاً عن الشكر، ف "إن " مع جاره متعلق بما دل عليه الكلام، نحو كذب لأجل كونه متمكناً، ولا يتعلق بقال لأنه جزاء الشرط، ويجوز أن يتعلق بلا تطع، أي لا توجد طاعته لأجل إن كان كذا، وقرئ بالكسر على أنها شرطية، فيكون النهي عن طاعته لعلة الغنى، مفهماً للنهي عن طاعته عند الوصف بغيره من باب الأولى، كالتعليل بإملاق في الوأد: {أساطير} جمع سطور جمع سطر {الأولين} أي أشياء سطروها ودونوها، وفرغوا منها، فحمله دنيء طبعه على تكبره بالمال، فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه، فجعل الكفر موضع الشكر، ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من يسمعه، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر، فكان هذا دليلاً على جميع تلك الصفات السابقة، مع التعليل بالإسناد إلى ما هو عند العاقل أوهم و أوهى من بيت العنكبوت، والاستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين: (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين).. وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين؛ استهزاء بآياته، وسخرية من رسوله، واعتداء على دينه.. وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
تعليق على جملة {أساطير الأولين} وجملة أساطير الأولين قد تكررت كثيراً في القرآن حكاية لزعم الكفار عن القرآن، وهذه الجملة أو بتعبير أدق كلمة أساطير، تعني الآن القصص التي لا تستند إلى أصل، أو يشوبها الغلو أو الخرافة. غير أن الذي يتبادر لنا أن استعمالها في القرآن لم يكن لهذا المعنى فقط، وإنما كان أيضا لمقصد الإشارة إلى كتب الأولين وصحفهم، بما في ذلك كتب النصارى واليهود التي كانت متداولة. وفي سورة الفرقان آية قد تؤيد ذلك حيث جاء فيها: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5)}، وحيث أراد الكفار أن يقولوا: إن ما يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتبسه واستكتبه وحفظه من الكتب الأولى المتداولة وليس وحياً. والجملة في السورة تدل في حد ذاتها على أن ما نزل من القرآن قبل هذه الآيات كان شيئا غير يسير، حيث رأى الكفار فيه من التطابق والمواضيع، ما سوغ لهم في هذا القول؛ وتؤيد ما قلناه في صدد ترتيب هذه السورة...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.