المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا} (105)

105- وما أنزلنا القرآن إلا مؤيداً بالحكمة الإلهية التي اقتضت إنزاله ، وهو في ذاته وما نزل إلا مشتملا على الحق كله ، فعقائده هي الصحيحة ، وأحكامه هي المستقيمة ، وما أرسلناك - أيها النبي - إلا مبشراً لمن آمن بالجنة ، ونذيراً لمن كفر بالنار . فليس عليك شيء إذا لم يؤمنوا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا} (105)

73

ذلك مثل من الخوارق ، وكيف استقبلها المكذبون ، وكيف جرت سنة الله مع المكذبين . فأما هذا القرآن فقد جاء بالحق ليكون آية دائمة ، ونزل مفرقا ليقرأ على مهل في الزمن الطويل :

( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ، وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ، وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) . .

لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة ، ويقيم لها نظاما ، فتحمله هذه الأمة إلى مشارق الأرض ومغاربها ، وتعلم به البشرية هذا النظام وفق المنهج الكامل المتكامل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا} (105)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ مُبَشّراً وَنَذِيراً * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلَىَ مُكْثٍ وَنَزّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } .

يقول تعالى ذكره : وبالحقّ أنزلنا هذا القرآن : يقول : أنزلناه نأمر فيه بالعدل والإنصاف والأخلاق الجميلة ، والأمور المستحسنة الحميدة ، وننهى فيه عن الظلم والأمور القبيحة ، والأخلاق الردية ، والأفعال الذّميمة وبالحَقّ نَزَلَ يقول : وبذلك نزل من عند الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله : وَما أرْسَلْناكَ إلاّ مُبَشّرا وَنَذِيرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك يا محمد إلى من أرسلناك إليه من عبادنا ، إلا مبشرا بالجنّة من أطاعنا ، فانتهى إلى أمرنا ونَهْينا ، ومنذرا لمن عصانا وخالف أمرنا ونهينَا . وَقُرآنا فَرَقْناهُ لَتَقْرأَهُ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار فَرَقْناهُ بتخفيف الراء من فرقناه ، بمعنى : أحكمناه وفصلناه وبيناه . وذُكر عن ابن عباس ، أنه كان يقرؤه بتشديد الراء «فَرّقْناهُ » بمعنى : نزّلناه شيئا بعد شيء ، آية بعد آية ، وقصة بعد قصة .

وأولى القراءتين بالصواب عندنا ، القراءة الأولى ، لأنها القراءة التي عليها الحجة مجمعة ، ولا يجوز خلافها فيما كانت عليه مجمعة من أمر الدين والقرآن . فإذا كان ذلك أولى القراءتين بالصواب ، فتأويل الكلام : وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ، وفصلناه قرآنا ، وبيّناه وأحكمناه ، لتقرأه على الناس على مكث . وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل ، قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقُرآنا فَرَقْناهُ يقول : فصلناه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن أبي الربيع عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب أنه قرأ : وَقُرآنا فَرَقْناهُ مخففا : يعني بيناه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس وَقُرآنا فَرَقْناهُ قال : فصلناه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا بدل بن المحبر ، قال : حدثنا عباد ، يعني ابن راشد ، عن داود ، عن الحسن أنه قرأ : وَقُرآنا فَرَقْناهُ خفّفها : فرق الله بين الحقّ والباطل .

وأما الذين قرأوا القراءة الأخرى ، فإنهم تأوّلوا ما قد ذكرت من التأويل . ذكر من قال ما حكيت من التأويل عن قارىء ذلك كذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : كان ابن عباس يقرؤها : «وَقُرآنا فَرّقْناهُ » مثقلة ، يقول : أنزل آية آية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال : أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ، قال : وَلا يَأْتُونَكَ بِمثَلٍ إلاّ جِئْناكَ بالحَقّ وأحْسَنَ تَفْسِيرا ، «وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرأَهُ عَلى النّاسِ على مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : «وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرأهُ عَلى النّاسِ » لم ينزل جميعا ، وكان بين أوّله وآخره نحو من عشرين سنة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «وَقُرآنا فَرّقْناهُ » قال : فرّقه : لم ينزله جميعه . وقرأ : وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً حتى بلغ وأحْسَنَ تَفْسِيرا يَنْقُض عليهم ما يأتون به .

وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول : نصب قوله وَقُرآنا بمعنى : ورحمة ، ويتأوّل ذلك : وَما أرسَلْناكَ إلاّ مُبَشّرَا وَنَذِيرا ورحمة ، ويقول : جاز ذلك ، لأن القرآن رحمة ، ونصبه على الوجه الذي قلناه أولى ، وذلك كما قال جلّ ثناؤه : والقَمَرَ قَدّرْناهُ مَنازِلَ وقوله : لِتَقْرَأهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ يقول : لتقرأه على الناس على تُؤَدة ، فترتله وتبينه ، ولا تعجل في تلاوته ، فلا يفهم عنك . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد المكُتِب ، قال : قلت لمجاهد : رجل قرأ البقرة وآل عمران ، وآخر قرأ البقرة ، وركوعهما وسجودهما واحد ، أيهما أفضل ؟ قال : الذي قرأ البقرة ، وقرأ : وَقُرآنا فَرَقْناه لِتَقْرَأَهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لِتَقْرَأهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ يقول : على تأييد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عَلى مُكْثٍ قال : على ترتيل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : لِتَقْرأَهُ على النّاسِ عَلى مكث قال : في ترتيل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لِتَقْرَأَهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ قال : التفسير الذي قال الله وَرتّلِ القُرآنِ تَرْتيلاً : تفسيره .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبيد ، عن مجاهد ، قوله : لِتَقْرَأَهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ على تؤدة .

وفي المُكث للعرب لغات : مُكْث ، ومَكْث ، ومِكْث ومِكّيثي مقصور ، ومُكْثانا ، والقراءة بضمّ الميم .

وقوله : وَنَزّلناهُ تَنْزِيلاً يقول تعالى ذكره : فرقنا تنزيله ، وأنزلناه شيئا بعد شيء ، كما :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ، عن أبي رجاء ، قال : تلا الحسن : «وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً » قال : كان الله تبارك وتعالى ينزل هذا القرآن بعضه قبل بعض لما علم أنه سيكون ويحدث في الناس ، لقد ذكر لنا أنه كان بين أوّله وآخره ثماني عشرة سنة ، قال : فسألته يوما على سخطة ، فقلت : يا أبا سعيد «وَقُرآنا فَرّقْناهُ » فثقلها أبو رجاء ، فقال الحسن : ليس فرّقناه ، ولكن فرَقناه ، فقرأ الحسن مخففة . قلت : من يُحدثك هذا يا أبا سعيد أصحاب محمد ؟ قال : فمن يحدّثنيه قال : أنزل عليه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة ثماني سنين ، وبالمدينة عشر سنين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَقُرآنا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً لم ينزل في ليلة ولا ليلتين ، ولا شهر ولا شهرين ، ولا سنة ولا سنتين ، ولكن كان بين أوّله وآخره عشرون سنة ، وما شاء الله من ذلك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : كان يقول : أنزل على نبيّ الله القرآن ثماني سنين ، وعشرا بعد ما هاجر . وكان قتادة يقول : عشرا بمكة ، وعشرا بالمدينة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا} (105)

{ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل } أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحق المقتضي لإنزاله ، وما نزل على الرسول إلا ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه . وقيل وما أنزلناه من السماء إلا محفوظا بالرصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين . ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره { وما أرسلناك إلا مبشّرا } للمطيع بالثواب . { ونذيرا } للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير والإنذار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا} (105)

الضمير في قوله { أنزلناه } عائد على القرآن المذكور ، وفي قوله { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } {[7728]} [ الإسراء : 89 ] ويجوز أن يكون الكلام آنفاً . وأشار بالضمير إلى القرآن على ذكر متقدم لشهرته ، كما قال { حتى توارت بالحجاب }{[7729]} [ ص : 32 ] .

وهذا كثير ، قال الزهراوي : معناه بالواجب الذي هو المصلحة والسداد للناس { بالحق } في نفسه ، وقوله { وبالحق نزل } ، يريد { بالحق } في أوامره ونواهيه وأخباره فبهذا التأويل يكون تكرار اللفظ لمعنى غير الأول ، وذهب الطبري إلى أنهما بمعنى واحد ، أي بأخباره وأوامره وبذلك نزل ،


[7728]:سبق ذلك في الآية (89) من هذه السورة.
[7729]:من الآية (32) من سورة (ص).