البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا} (105)

{ وبالحق أنزلناه } هو مردود على قوله { لئن اجتمعت الإنس والجن } الآية وهكذا طريقة كلام العرب وأسلوبها تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى شيء آخر ثم إلى آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولاً ، وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في { أنزلناه } عائد على موسى عليه السلام وجعل منزلاً كما قال { وأنزلنا الحديد } أو عائد على الآيات التسع ، وذكر على المعنى أو عائد على الوعد المذكور قبله .

وقال أبو سليمان الدمشقي { وبالحق أنزلناه } أي بالتوحيد ، { وبالحق نزل } أي بالوعد والوعيد والأمر والنهي .

وقال الزهراوي : بالواجب الذي هو المصلحة والسداد للناس ، { وبالحق نزل } أي بالحق في أوامره ونواهيه وأخباره .

وقال الزمخشري : وما أنزلنا القرآن إلاّ بالحكمة المقتضية لإنزاله وما نزل إلاّ ملتبساً بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير ، وما أنزلناه من السماء إلاّ بالحق محفوظاً بالرصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول إلاّ محفوظاً بهم من تخليط الشياطين انتهى .

وقد يكون { وبالحق نزل } توكيداً من حيث المعنى لما كان يقال أنزلته فنزل ، وأنزلته فلم ينزل إذا عرض له مانع من نزوله جاء ، { وبالحق نزل } مزيلاً لهذا الاحتمال ومؤكداً حقيقة ، { وبالحق نزل } وإلى معنى التأكيد نحا الطبري .

وانتصب { مبشراً ونذيراً } على الحال أي { مبشراً } لهم بالجنة ومنذراً من النار ليس لك شيء من إكراههم على الدين .