تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا} (105)

الآية 105 : وقوله تعالى : { وبالحق أنزلناه وبالحق نزل } قال الحسن : إن في القرآن حكما وأنباء ، وأنباؤه صِدْقُ وحَقُ . وهو كقوله : { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا } ( الأنعام : 115 ) { صدقا } ما فيه من الأنباء { وعدلا } ما فيه من الحكم العدل ، والأنباء ( الصدق ، أنزله . ويقال : الصدق في الأخبار والأنباء ){[11303]} والعدل في الأحكام والحق .

وقوله تعالى : { وبالحق نزل } أي بذلك الحق الذي دام ، وقًرَّ فيكم ، أو كلام نحو هذا .

ويحتمل قوله : { وبالحق أنزلناه } أي بالحق الذي لبعضهم على بعض { وبالحق نزل } أي بذلك الحق الذي لله على خلقه دام ، واستقر ، بالحق الذي لبعضهم على بعض ثبت ، واستقر .

وأصله أن قوله : { وبالحق أنزلناه وبالحق نزل } الحق اسم كل محبوب محمود ، والباطل اسم كل مكروه ومذموم . فمن اتبعه صار محبوبا محمودا ، ومن خالفه ، وترك إتباعه صار مذموما .

أو يكون قوله : { وبالحق نزل } أي لم يأته التغيير والتبديل .

وقوله تعالى : { وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا } أخبر أنه لم يُرْسِلْهُ إلا للبشارة والنذارة . لكن هذا في حق الرسالة ، لم يرسله إلا لهذين/311-أ/ اللذين ذكر ، و إلا قد كان امتحنه في نفسه بمحن كثيرة ، فلم يكن في جميع الأوقات مشغولا بهذين خاصة ، لكنه في حق الرسالة لم يرسله إلا لبشارة و نِذَارَة ؛ أي لم يُرسِلَْكَ حافظا ولا وكيلا ولا مُسَلَّطَا عليهم . بل أرسلك لتبليغ الرسالة إليهم .

ثم البشارة والنذارة هما{[11304]} أمران ، يكونان في عواقب الأمور : البشارة تكون عاقبة كل محبوب ، والنذارة عاقبة كل فعل مكروه ومذموم .

ثم لقائل أن يقول{[11305]} في قوله : { وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا } البشارة لمن أجابه في ما أمره به ، ودعاه إليه ، والنِّذَارَة لمن ارتكب ما نهى عنه . فكيف لا دل هذا على النهي يوجب الحظر والتحريم ( حين الحق ){[11306]} النِّذَارَة بارتكاب ما نهى عنه ؟ قيل : إن النذارة عاقبة كل مكروه ومذموم ، والبشارة عاقبة كل محبوب ومحمود{[11307]} ، فيكون ذلك في الآداب وغيرها . ولأن الرسل لم يُبْعَثُوا إلا لتغيير مناكير وفواحش ، ظهرت في الخلق ( كالشرك ){[11308]} وغيره من الفواحش والمناكير ، لم يُبْعَثُوا لصغائر ، ظهرت فيهم . ثم أدخل{[11309]} الصغائر والآداب في ما أرسل تبعا . و إلا كان سبب إرسالهم الكبائر والفواحش .

فإذا كان ما ذكرنا كان في النهي نهي أدب ونهي حتم وحكم . وبعد فإن الله تعالى قد أخبر أنه قد يعفو عن كثير من السيئات ، وما عفا عنه لمن يُلحِقُ فيه النذارة والوعيد ، والله أعلم .


[11303]:من م، ساقطة من الأصل
[11304]:في الأصل و.م : وهما.
[11305]:في الأول و.م: يكون.
[11306]:في الأصل و.م : حيث ألحقه.
[11307]:الواو ساقطة من الأصل.
[11308]:ساقطة من الأصل و م.
[11309]:في الأصل و.م: دخل.