فلما نصحهم وحذرهم وأنذرهم ولم يطيعوه ولا وافقوه قال لهم :
{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ } من هذه النصيحة ، وسترون مغبة عدم قبولها حين يحل بكم العقاب ، وتحرمون جزيل الثواب .
{ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ } أي : ألجأ إليه وأعتصم ، وألقي أموري كلها لديه ، وأتوكل عليه في مصالحي ودفع الضرر الذي يصيبني منكم أو من غيركم . { إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } يعلم أحوالهم وما يستحقون ، يعلم حالي وضعفي فيمنعني منكم ويكفيني شركم ، ويعلم أحوالكم فلا تتصرفون إلا بإرادته ومشيئته ، فإن سلطكم علي ، َّ فبحكمة منه تعالى ، وعن إرادته ومشيئته صدر ذلك .
ثم توعدهم بأنهم سيذكرون قوله عن حلول العذاب بهم ، وسوف بالسين{[10007]} . إذ الأمر محتمل أن يخرج الوعيد في الدنيا أو في الآخرة ، وهذا تأويل ابن زيد . وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو فتح الياء من : «أمريَ » .
هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإِنكار ، ما أيْأَسَه من تأثرهم بكلامه ، فتحدّاهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه تهديده لهم بقوله : { إنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْممِ الأحْزَابِ } [ غافر : 30 ] ، أو في الآخرة كما اقتضاه قوله : { إنِّي أخافُ عليكم يَومَ التَّنادِ } [ غافر : 32 ] ، فالفاء تفريع على جملة { ما لِيَ أدْعُوكم إلى النجاة وتَدْعُونني إلى النَّار } [ غافر : 41 ] .
وفعل { ستذكرون } مشتق من الذُّكْر بضم الذال وهو ضد النسيان ، أي ستذكرون في عقولكم ، أي ما أقول لكم الآن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه ، فشبه الإِعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل مُلازمةَ الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية . والمعنى سيحلّ بكم من العذاب ما يُذَكِّركم ما أقوله : إنَّه سيحل بكم .
وجملة { وَأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله } عطف على جملة { ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار } ، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشرّ ، يعني : أني أَكِل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل ، وهذا كلام مُنصِف فالمراد ب { أمري } شأني ومُهمّي . ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله : { إن الله بَصيرٌ بالعِبَادِ } معللاً تفويض أمره معهم إلى الله بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شَمِله وشمل خصومَهُ .
وقال في « الكشاف » قوله : { وأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله } لأنهم توعدوه ا ه . يعني أن فيه إشعاراً بذلك بمعونة ما بعده .
و { العباد } الناس يطلق على جماعتهم اسم العباد ، ولم أر إطلاق العبد على الإِنسان الواحد ولا إطلاق العبيد على الناس .
والبصير : المطلع الذي لا يخفى عليه الأمر . والبَاء للتعدية كما في قوله تعالى : { فبصرت به عن جنب } [ القصص : 11 ] ، فإذا أرادوا تعدية فعل البصر بنفسه قالوا : أبصره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.