{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى } أي : تقدس وتنزه وعلت أوصافه { عَمَّا يَقُولُونَ } من الشرك به واتخاذ الأنداد معه { عُلُوًّا كَبِيرًا } فعلا قدره وعظم وجلت كبرياؤه التي لا تقادر أن يكون معه آلهة فقد ضل من قال ذلك ضلالا مبينا وظلم ظلما كبيرا .
لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة وصغرت لدى كبريائه السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه }
وافتقر إليه العالم العلوي والسفلي فقرا ذاتيا لا ينفك عن أحد منهم في وقت من الأوقات .
هذا الفقر بجميع وجوهه فقر من جهة الخلق والرزق والتدبير ، وفقر من جهة الاضطرار إلى أن يكون معبودهم ومحبوبهم الذي إليه يتقربون وإليه في كل حال يفزعون ، ولهذا قال : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ }
و { سبحانه } مصدر بفعل متروك إظهاره ، فهو بمعنى التنزيه ، موضعه هنا موضع تنزه ، فلذلك عطف الفعل عليه في قوله { وتعالى } ، والتعالي تفاعل أما في الشاهد والأجرام فهو من اثنين ، لأن الإنسان إذ صعد في منزله أو في جبل فكأن ذلك يعاليه ، وهو يعالي ويرتقي ، وأما في ذكر الله تعالى فالتعالي هو بالقدر لا بالإضافة إلى شيء آخر ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو «عما يقولون » بالياء ، وقرأ حمزة والكسائي «تقولون » بالتاء من فوق ، .
و { علواً } ، مصدر على غير الفعل ، فهو كقوله { والله أنبتكم من الأرض نباتاً }{[7582]} وهذا كثير .
إنشاء تنزيه لله تعالى عما ادعوه من وجود شركاء له في الإلهية .
وهذا من المقول اعتراض بين أجزاء المقول ، وهو مستأنف لأنه نتيجة لبطلان قولهم : إن مع الله آلهة ، بما نهضت به الحجة عليهم من قوله : { إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلاً } . وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله تعالى : { سبحانه وتعالى عمّا يصفون } في سورة [ الأنعام : 100 ] .
والمراد بما يقولون ما يقولونه مما ذكر آنفاً كقوله تعالى : ونرثه ما يقول .
وعلوا } مفعول مطلق عامله { تعالى } . جيء به على غير قياس فعله للدلالة على أن التعالي هو الاتصاف بالعلو بحق لا بمجرد الادعاء كقول سعدة أم الكميت بن معر :
تعاليت فوق الحق عن آل فَقعس *** ولم تَخش فيهم ردة اليوم أو غد
وقوله سبحانه : { ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم } [ المؤمنون : 24 ] ، أي يدعي الفضل ولا فضل له . وهو منصوب على المفعولية المطلقة المبينة للنوع .
والمراد بالكبير الكامل في نوعه . وأصل الكبير صفة مشبهة : الموصوف بالكبر . والكبر : ضخامة جسم الشيء في متناول الناس ، أي تعالى أكمل علو لا يشوبه شيء من جنس ما نسبوه إليه ، لأن المنافاة بين استحقاق ذاته وبين نسبة الشريك له والصاحبة والولد بلغت في قوة الظهور إلى حيث لا تحتاج إلى زيادة لأن وجوب الوجود والبقاء ينافي آثار الاحتياج والعجز .
وقرأ الجمهور { عما يقولون } بياء الغيبة . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بتاء الخطاب على أنه التفات ، أو هو من جملة المقول من قوله : { قل لو كان معه آلهة } [ الإسراء : 42 ] على هذه القراءة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.