ثم امتن عليهم بحرمه الآمن ، وأنهم أهله في أمن وسعة ورزق ، والناس من حولهم يتخطفون ويخافون ، أفلا يعبدون الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
{ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } وهو ما هم عليه من الشرك ، والأقوال ، والأفعال الباطلة . { وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ } هم { يَكْفُرُونَ } فأين ذهبت عقولهم ، وانسلخت أحلامهم حيث آثروا الضلال على الهدى ، والباطل على الحق ، والشقاء على السعادة ، وحيث كانوا أظلم الخلق .
يقول تعالى ممتنا على قريش فيما أحلهم من حرمه ، الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والبادي ، ومن دخله كان آمنا ، فهم في أمن عظيم ، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا ، كما قال تعالى : { لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ . فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } [ قريش : 1 - 4 ] .
وقوله : { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ } أي : أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به ، وعبدوا معه [ غيره من ]{[22694]} الأصنام والأنداد ، و { بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } [ إبراهيم : 28 ] ، وكفروا بنبي الله وعبده ورسوله ، فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله ، وألا يشركوا به ، وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره ، فكذبوه وقاتلوه وأخرجوه من بين ظهرهم ؛ ولهذا سلبهم الله ما كان أنعم به عليهم ، وقتل من قتل منهم ببدر ، وصارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ففتح الله على رسوله مكة ، وأرغم آنافهم وأذل رقابهم .
ثم عدد تعالى على كفار قريش نعمته عليهم في الحرم في أنه جعله لهم آمناً لا خوف فيه من أحوال العرب وغارتهم وسوء أفعالهم من القتل وأخذ الأموال ونحوه ، وذلك هو «التخطف » الذي كان الناس بسبيله ، ثم قررهم على جهة التوبيخ على إيمانهم بالباطل وكفرهم بالله وبنعمته ، وقرأ جمهور القراء «يؤمنون » بالياء من تحت وكذلك «يكفرون » ، وقرأهما بالتاء من فوق الحسن وأبو عبد الرحمن .
هذا تذكير خاص لأهل مكة وإنما خُصُّوا من بين المشركين من العرب لأن أهل مكة قدوة لجميع القبائل ؛ ألا ترى أن أكثر قبائل العرب كانوا ينتظرون ماذا يكون من أهل مكة فلما اسلم أهل مكة يومَ الفتح أقبلت وفود القبائل معلنة إسلامهم . والجملة معطوفة على جملة { فإِذَا رَكبوا فِي الفُلك دَعُوا الله } [ العنكبوت : 65 ] باعتبار ما اشتملت عليه تلك الجملة من تقريعهم على كفران نعم الله تعهالى ، ولذلك عقبت هذه الجملة بقولة { وبنعمة الله يكفرون } والاستفهام إِ ، كاري ، وجعلت نعمة أمن بلدهم كالشيء المشاهد فأنكر عليهم عدم رؤيته ، فقوله { أنا جعلنا حرماً آمناً } مفعول { يَرُوا } ومعنى هذه الآية يعلم مما تقدم عند الكلام على قوله تعالى : { وَقَالُوا إنْ نَتَّبِعْ الهُدَى معَكَ نُتخَطَّفْ من أرْضِنَا أوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حرَماً آمِناً } في سورة [ القصص : 57 ] ، وقد كان أهل مكة في بحبوحة من الأمن وكان غيرهم من القبائل حول مكة وما بعدُ منها يغزو بعضهم بعضاً ويتغاورون ويتناهون ، وأهل مكة آمنون لا يعدو عليهم أحد مع قتلهم ، فذكرهم الله هذه النعمة عليهم والباطل : هو الشرك كما تقدم عند قوله تعالى { والذين آمنوا بالباطل } في هذه السورة العنكبوت [ 52 ] . و ( نِعْمَةَ الله ) المراد بها الجنس الذي منه إنجاؤهم من الغرق وما عداه من النِعم المحسوسة المعروفة ، ومن النِعم الخفية التي لو تأملوا لأدركوا عظمها ، ومنها نعمة الرسالة المحمدية . والمضارع في المواضع الثلاثة دال على تجدّد الفعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.