{ 41 - 44 ْ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * َْتَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا }
يأمر تعالى المؤمنين ، بذكره ذكرا كثيرًا ، من تهليل ، وتحميد ، وتسبيح ، وتكبير وغير ذلك ، من كل قول فيه قربة إلى اللّه ، وأقل ذلك ، أن يلازم الإنسان ، أوراد الصباح ، والمساء ، وأدبار الصلوات الخمس ، وعند العوارض والأسباب .
وينبغي مداومة ذلك ، في جميع الأوقات ، على جميع الأحوال ، فإن ذلك عبادة يسبق بها العامل ، وهو مستريح ، وداع إلى محبة اللّه ومعرفته ، وعون على الخير ، وكف اللسان عن الكلام القبيح .
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تعالى ، المنعم عليهم بأنواع النعم وأصناف {[23587]} المنن ، لما لهم في ذلك من جزيل الثواب ، وجميل المآب .
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن سعيد{[23588]} ، حدثني مولى بن عياش {[23589]} عن أبي بَحرية{[23590]} ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والوَرق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ " قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : " ذكر الله عز وجل " .
وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن زياد - مولى ابن عياش{[23591]} - عن أبي بَحرية - واسمه عبد الله بن قيس التراغمي - عن أبي الدرداء ، به{[23592]} . قال الترمذي : ورواه بعضهم عنه فأرسله .
قلت : وقد تقدم هذا الحديث عند قوله تعالى : { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ } في مسند [ الإمام ]{[23593]} أحمد ، من حديث زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عَيَّاش : أنه بلغه عن معاذ بن جبل ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه ، فالله أعلم .
وقال{[23594]} الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا فرج بن فَضَالة ، عن أبي سعد الحِمْصي قال : سمعت أبا هريرة يقول : دعاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أدعه : " اللهم ، اجعلني أعظم شكرك ، وأتبع نصيحتك ، وأكثر ذكرك ، وأحفظ وصيتك " . {[23595]}
ورواه الترمذي عن يحيى بن موسى ، عن وكيع ، عن أبي فضالة الفرج بن فضالة ، عن أبي سعيد الحمصي ، عن أبي هريرة ، فذكر مثله وقال : غريب . {[23596]}
وهكذا رواه الإمام أحمد أيضا عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن فرج بن فضالة ، عن أبي سعيد المدني{[23597]} عن أبي هريرة فذكره . {[23598]}
وقال{[23599]} الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، عن معاوية بن صالح ، عن عمرو بن قيس قال : سمعت عبد الله بن بُسْر يقول : جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهما : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ قال : " مَنْ طال عمره وحسن عمله " . وقال الآخر : يا رسول الله ، إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا{[23600]} ، فمرني بأمر أتشبث به . قال : " لا يزال لسانك رَطْبًا بذكر الله " . {[23601]}
وروى الترمذي وابن ماجه [ منه ]{[23602]} الفصل الثاني ، من حديث معاوية بن صالح ، به{[23603]} . وقال الترمذي : حسن غريب .
وقال{[23604]} الإمام أحمد : حدثنا سُرَيج{[23605]} ، حدثنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث قال : إنّ دَرّاجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أكثروا ذكر الله حتى يقولوا : مجنون . " {[23606]}
وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا عقبة بن مُكرم العَمِّي ، حدثنا سعيد بن سفيان{[23607]} الجَحْدَرِي ، حدثنا الحسن بن أبي جعفر ، عن عقبة بن أبي ثُبَيت{[23608]} الراسبي ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذكروا الله ذكرا كثيرا [ حتى ]{[23609]} يقول المنافقون : تراءون . " {[23610]}
وقال{[23611]} الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا شداد أبو طلحة الراسبي ، سمعت أبا الوازع جابر بن عمرو يحدث عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه ، إلا رأوه حسرة يوم القيامة . " {[23612]}
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } : إن الله لم يفرض [ على عباده ]{[23613]} فريضة إلا [ جعل لها حدا معلوما ، ثم ]{[23614]} عذر أهلها في حال عذر ، غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه ، ولم يعذر أحدًا في تركه ، إلا مغلوبا على تركه ، فقال : { فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } [ النساء : 103 ] ، بالليل والنهار ، [ في البر والبحر ]{[23615]} ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والصحة والسقم ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال ،
ثم أمر تعالى عباده بأن يذكروه { ذكراً كثيراً } ، وجعل تعالى ذلك دون حد ولا تقدير لسهولته على العبد ولعظم الأجر فيه ، قال ابن عباس لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله ، وقال الكثير أن لا تنساه أبداً ، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون »{[9532]} .
إقبال على مخاطبة المؤمنين بأن يشغلوا ألسنتهم بذكر الله وتسبيحه ، أي أن يمسكوا عن مماراة المنافقين أو عن سبّهم فيما يُرجفون به في قضية تزوج زينب فأمر المؤمنين أن يعتاضوا عن ذلك بذكر الله وتسبيحه خيراً لهم ، وهذا كقوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً } [ البقرة : 200 ] ، أي خير من التفاخر بذكر آبائكم وأحسابكم ، فذلك أنفع لهم وأبعد عن أن تثور بين المسلمين والمنافقين ثائرة فتنة في المدينة ، فهذا من نحو قوله لنبيّئه { ودَعْ أذاهم } [ الأحزاب : 48 ] ومن نحو قوله : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم } [ الأنعام : 108 ] ، فأمروا بتشغيل ألسنتهم وأوقاتهم بما يعود بنفعهم وتجنب ما عسى أن يوقع في مضرة .
وفيه تسجيل على المنافقين بأن خوضهم في ذلك بعد هذه الآية علامة على النفاق لأن المؤمنين لا يخالفون أمر ربهم .
والجملة استئناف ابتدائي متصل بما قبله للمناسبة التي أشرنا إليها .
والذكر : ذكر اللسان وهو المناسب لموقع الآية بما قبلها وبعدها .