47 - والسماء أحكمناها بقوة ، وإنا لقادرون على أكثر من ذلك{[208]} . والأرض بسطناها ، فنعم المهاد الذي ينتفع به الإنسان .
{ 47-51 } { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ }
يقول تعالى مبينًا لقدرته العظيمة : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أي : خلقناها وأتقناها ، وجعلناها سقفًا للأرض وما عليها .
{ بِأَيْدٍ } أي : بقوة وقدرة عظيمة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } لأرجائها وأنحائها ، وإنا لموسعون [ أيضا ] على عبادنا ، بالرزق الذي ما ترك الله دابة في مهامه القفار ، ولجج البحار ، وأقطار العالم العلوي والسفلي ، إلا وأوصل إليها من الرزق ، ما يكفيها ، وساق إليها من الإحسان ما يغنيها .
فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات ، وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات .
يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أي : جعلناها سقفا [ محفوظا ] {[27457]} رفيعا { بأيد } أي : بقوة . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والثوري ، وغير واحد ، { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ، أي : قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد ، حتى استقلت كما هي .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{و} في {والسماء} آية {بنيناها بأيد} يعني بقوة {وإنا لموسعون} يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفا بقوّة... وقوله:"وَإنّا لَمُوسِعُونَ "يقول: لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه... قال ابن زيد، في قوله: "وَإنّا لَمُوسِعُونَ" قال: أوسعها جلّ جلاله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وإنا لموسعون} أي لقادرون... وجائز أن يكون الموسِع الواجد كقوله تعالى: {على الموسع قَدرُه} [البقرة: 236] أي على الواجد الموسر قدرُه.
وقال بعضهم: {وإنا لموسعون} في التدبير تدبير جميع الخلق، وهو قول أبي بكر الأصمّ، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والاتساع: الإكثار من إذهاب الشيء في الجهات بما يمكن أن يكون أكثر مما في غيره... والله تعالى قد أوسع السماء بما لا بناء أوسع منه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لقادرون، من الوسع وهو الطاقة. والموسع: القوى على الإنفاق.
{والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} وهو بيان للوحدانية، وما تقدم كان بيانا للحشر.
وأما قوله هاهنا: {والسماء بنيناها بأيد} وأنتم تعرفون أن ما تعبدون من دون الله ما خلقوا منها شيئا فلا يصح الإشراك، ويمكن أن يقال هذا عود بعد التهديد إلى إقامة الدليل، وبناء السماء دليل على القدرة على خلق الأجسام ثانيا، كما قال تعالى: {أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم}. وقوله تعالى: {وإنا لموسعون} فيه وجوه؛ أحدها: أنه من السعة أي أوسعناها بحيث صارت الأرض وما يحيط به من الماء والهواء بالنسبة إلى السماء وسعتها كحلقة في فلاة، والبناء الواسع الفضاء عجيب...
مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لابن باديس 1359 هـ :
وقدمت السماء، لأنها المشاهد المحسوس الذي تقوم به الحجة، وليقع البناء عليها مرتين: على لفظها وعلى ضميرها، لأن الأصل: وبنينا السماء بنيناها، لتحقيق أنها مبنية، وأن بناءها لم يكن إلا من الله القادر الحكيم، ولذلك علق بالفعل قوله: بأيد. والجملة الحالية تدل على أن الإيساع ثابت له عند البناء، فذلك البناء العظيم لم ينقص من قدرته، أو يمنع من توسيعه...
المعنى:إن هذه القبة التي أحاطت بكم من جميع الأرجاء، نحن بنيناها بقدرتنا ذلك البناء المحكم المتقن بنيناها، ونحن على قوتنا وقدرتنا نقدر على بناء أعظم منها لو شئنا. ونحن على قدرتنا وطاقتنا في إفاضة الخيرات والبركات منها عليكم. هذا على أنه من الوسع...
(السماء): في اللغة هي كل ما علاك: فكل ما علا الأرض من سحب وطبقات هواء وكواكب تسبح في الفضاء، وما وراء ذلك من القبة المحيطة الكبرى هو للأرض سماء...
وقد جاء لفظ السماء في القرآن مرادا به القبة المحيطة في مثل: "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح"، " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب". وجاء مرادا به السحاب في مثل " الذي نزل من السماء ماء بقدر"؛ فإن المطر ينزل من السحاب لقوله تعالى: " ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما، فترى الودق يخرج من خلاله". وجاء مرادا به طبقات الجو في مثل: " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " والبرد يتكور في طبقات الجو. والمتتبع لمواقع لفظة السماء من الكتاب العزيز يتحقق هذا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والأيد: القوة. والقوة أوضح ما ينبئ عنه بناء السماء الهائل المتماسك المتناسق...
ولعل في الإشارة إلى السعة إيحاء آخر إلى مخازن الأرزاق التي قال من قبل: إنها في السماء ولو أن السماء هناك مجرد رمز إلى ما عند الله. ولكن التعبير القرآني يلقي ظلالا معينة، يبدو أنها مقصودة في التعبير، لخطاب المشاعر البشرية خطابا موحيا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمُوسِع: اسم فاعل من أوسع، إذا كان ذا وُسع، أي قدرة. وتصاريفه جائية من السَّعة، وهي امتداد مساحة المكان ضد الضيق، واستعير معناها للوفرة في أشياء مثل الأفراد مثل عمومها في {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: 156]، ووفرة المال مثل {لينفق ذو سعة من سعته} [الطلاق: 7]، وقوله: {على الموسع قدره} [البقرة: 236]، وجاء في أسمائه تعالى الواسع {إن اللَّه واسع عليم}. وهو عند إجرائه على الذات يفيد كمال صفاته الذاتية: الوجودِ، والحياة، والعلم، والقدرة، والحكمة، قال تعالى: {إن اللَّه واسع عليم} [البقرة: 115] ومنه قوله هنا: {وإنا لموسعون}. وأكد الخبر بحرف (إنّ) لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر سعة قدرة الله تعالى، إذ أحالوا إعادة المخلوقات بعد بِلاها.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهناك نظريةٌ حديثة تقول بإمكانية اتساع السماء بطريقةٍ ما. ولعل الأقرب إلى الذهن، هو أنها تتحدث عن قدرة الله المتحركة في ساحة نعمته، ما يوحي بأن الله هو من يملك القدرة التي بنى بها السماء وأرادها مصدراً للنعمة على خلقه، وربط بينها وبين الأرض، في ما تحتاجه لاستمرار المخلوقات الحية والنامية والجامدة فيها من شمس ومطر وما إلى ذلك. فإذا كان الله قد أكد النعمة من ناحية المبدأ، فإنه قادر على توسيعها من ناحية التفاصيل.