ثم أمر تعالى بالقتال في سبيله ، وهو قتال الأعداء الكفار لإعلاء كلمة الله ونصر دينه ، فقال : { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } أي : فأحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله ، واعلموا أنه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا ، ولو ظننتم أن في القعود حياتكم وبقاءكم ، فليس الأمر كذلك ، ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الأمر ، فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم ، بل أتاهم ما حذروا من غير أن يحتسبوا ، فاعلموا أنكم كذلك .
( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) . .
هنا ندرك طرفا من هدف تلك الحادثة ومغزاها ؛ وندرك طرفا من حكمة الله في سوق هذه التجربة للجماعة المسلمة في جيلها الأول وفي أجيالها جميعا . . ألا يقعدن بكم حب الحياة ، وحذر الموت ، عن الجهاد في سبيل الله . فالموت والحياة بيد الله . قاتلوا في سبيل الله لا في سبيل غاية أخرى . وتحت راية الله لا تحت راية أخرى . . قاتلوا في سبيل الله :
( واعلموا أن الله سميع عليم ) . . يسمع ويعلم . . يسمع القول ويعلم ما وراءه . أو يسمع فيستجيب ويعلم ما يصلح الحياة والقلوب . قاتلوا في سبيل الله وليس هناك عمل ضائع عند الله ، واهب الحياة وآخذ الحياة .
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 244 )
الواو في هذه الآية عاطفة جملة كلام على جملة ما تقدم ، هذا قول الجمهور إن هذه الآية هي مخاطبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقتال في سبيل الله ، وهو الذي ينوى به أن تكون كلمة الله هي العليا حسب الحديث( {[2357]} ) ، وقال ابن عباس والضحاك : الأمر بالقتال هو للذين أحيوا من بني إسرائيل ، فالواو على هذا عاطفة على الأمر المتقدم ، المعنى وقال لهم قاتلوا ، قال الطبري رحمه الله : «ولا وجه لقول من قال إن الأمر بالقتال هو للذين أحيوا » ، و { سميع } معناه للأقوال ، { عليم } بالنيات .
جملة : { وقاتلوا في سبيل الله } الآية هي المقصود الأول ، فإن ما قبلها تمهيد لها كما علمتَ ، وقد جعلت في النظم معطوفة على جملة { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } عطفاً على الاستئناف ، فيكون لها حكم جملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، ولولا طول الفصل بينها وبين جملة { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } [ البقرة : 216 ] ، لقُلنا : إنها معطوفة عليها على أن اتصال الغرضين يُلحقها بها بدون عطف .
وجملة { واعلموا أن الله سميع عليم } حث على القتال وتحذير من تركه بتذكيرهم بإحاطة علم الله تعالى بجميع المعلومات : ظاهرها وباطنها . وقدِّم وصف سميع ، وهو أخص من عليم ، اهتماماً به هنا ؛ لأن معظم أحوال القتال في سبيل الله من الأمور المسموعة ، مثل جلبة الجيش وقعقعة السلاح وصهيل الخيل . ثم ذكر وصف عليم لأنه يعم العلم بجميع المعلومات ، وفيها ما هو من حديث النفس مثل خلُق الخوف ، وتسويل النفس القعودَ عن القتال ، وفي هذا تعريض بالوعد والوعيد . وافتتاح الجملة بقوله : { واعلموا } للتنبيه على ما تحتوي عليه من معنى صريح وتعريض ، وقد تقدم قريباً عند قوله تعالى : { واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه } [ البقرة : 223 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.