الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (244)

وأمرهم بالجهادِ بقوله : { وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله . . . }[ البقرة :244 ] .

وروى ابن جريج عن ابن عبَّاس ، أنهم كانوا من بني إِسرائيل ، وأنهم كانوا أربعينَ ألفاً وثمانيةَ آلاف ، وأنهم أُميتوا ثم أُحْيُوا ، وبقيتِ الرائحَةُ على ذلك السِّبْط من بني إِسرائيل إِلى اليَوْم ، فأمرهم اللَّه بالجهَادِ ثانيةً ، فذلك قوله : { وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله } .

قال : ( ع ) وهذا القَصَصُ كلُّه ليِّن الإِسناد ، وإِنما اللازم من الآية أنَّ اللَّه تعالى أخبر نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم إِخباراً في عبارة التنْبيه ، والتوقيفِ عنْ قَوْم من البَشَر ، خَرَجوا من ديارهم فراراً من المَوْت ، فأماتهم اللَّه ، ثم أحياهم ، ليعلموا هم وكلُّ من خَلَفَ بعدهم ، أن الإِماتة إِنما هي بإِذْنِ اللَّه لا بيَدِ غَيْره ، فلا معنى لخوفِ خائفٍ ، وجعل اللَّه تعالى هذه الآية مقدِّمة بين يدَيْ أمره المؤمنين من أُمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم بالجهادِ ، هذا قول الطَّبري ، وهو ظاهرُ رَصْف الآية .

والجمهورُ على أنَّ { أُلُوفٌ } جمعُ أَلْفٍ ، وهو جمعُ كَثرة ، وقال ابن زَيْد في لفظة { أُلُوفٌ } : إِنما معناها ، وهم مؤتلفُونَ .

وقوله تعالى : { إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ . . . } [ البقرة :243 ] .

تنبيهٌ على فضله سبحانه على هؤلاء القَوْم الذين تفضَّل عليهم بالنعم ، وأمرهم بالجهاد ، أن لاَّ يجعلوا الحَوْل والقُوَّة إِلا له سبحانه ، حَسْبما أمر جميع العالم بذلك ، فلم يشكروا نعمته في جميعِ هذا ، بل استبدُّوا ، وظَنُّوا أنَّ حولَهُمْ وسعْيَهم ينجِّيهم ، وهذه الآيةُ تَحْذيرٌ لسائر النَّاسِ مِنْ مثل هذا الفعْلِ ، أي : فيجب أنْ يشكر النَّاسُ فضْلَه سبحانه ، في إِيجاده لهم ، ورزْقِهِ إِياهم ، وهدايتِهِ بالأوامر والنواهِي ، فيكون منهم المبادرة إلى امتثالها ، لا طَلَبُ الخُرُوج عنْها ، وفي تَخْصِيصه تعالى الأَكْثَر دلالةٌ على أنَّ الأقلَّ الشَّاكِر .

وقوله تعالى : { وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله . . . } [ البقرة :244 ] .

الجمهورُ أن هذه الآية مخاطبة لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم بالقتالِ في سبيلِ اللَّهِ ، وهو الذي ينوي به أن تكون كلمةُ اللَّه هي العليا ، حَسَب الحديث .

وقال ابن عَبَّاس ، والضَّحَّاك : الأمْرُ بالقتال هو لِلَّذينَ أُحْيُوا من بني إسرائيل ، قال الطبريُّ : ولا وجه لهذا القَوْل .