اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (244)

قوله تعالى : { وَقَاتِلُوا } هذه الجملة فيها أقوالٌ :

أحدها : أنه عطفٌ على قوله : " مُوتُوا " وهو أمرٌ لِمَنْ أَحياهُم اللهُ بعد الإِماتةِ بالجهاد ، [ أي ] فقال لهم : مُوتوا وقاتِلوا ، رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ ، والضَّحاك . قال الطَّبريِّ : " ولا وجهَ لهذا القَوْلِ " .

والثاني : [ أنها معطوفةٌ على قوله : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ " وما بينهما اعتراضٌ .

والثالث ] : أَنَّها معطوفةٌ على محذوفٍ تقديره : " فَأَطِيعُوا وَقَاتلوا ، أو فلا تَحْذَروا الموتَ كما حَذِرَهُ الذين مِنْ قَبْلكُم ، فلم يَنْفَعهم الحذرُ ، قاله أبو البقاء{[4024]} .

والظَّاهر أنَّ هذا أمرٌ لهذه الأمةِ بالجهاد ، بعد ذكره قوماً لم ينفعهم الحذرُ من المَوتِ ، فهو تشجيعٌ لهم ، فيكونُ من عطفِ الجملِ ؛ فلا يُشْتَرَطُ التوافقُ في أمرٍ ولا غيره .

قوله : { فِي سَبِيلِ اللهِ } فالسَّبيلُ : هو الطَّريق ، وسمِّيتُ العباداتُ سبيلاً إلى اللهِ مِن حيثُ إِنَّ الإنسان بسلوكها يتوصَّلُ إلى ثوابِ اللهِ .

قال القرطبي{[4025]} : وهذا قول الجمهور : وهو الَّذِي ينوى به أن تكون كلمة الله هي العُليا ، وسُبُلُ الله كثيرةٌ ، فهي عامَّةٌ فِي كُلِّ سبيل . قال تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي } [ يوسف :108 ] قال مالكٌ : سبل الله كثيرة ، وما مِنْ سبيلٍ إِلاَّ يقاتل عليها أو فيها أو لها ، وأعظمها دينُ الإسلامِ ، فلا جرم كان المُجاهِدُ مُقاتِلاً في سبيلِ اللهِ . ثُمَّ قال : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أَي : يسمعُ كلامكم في ترغيب الغير في الجهاد ، أو في ترعيب الغيرِ عنه ، و " عليمٌ " بما في ضمائركُم من البواعثِ ، والأَعراضِ : أَنَّ ذلك الجهاد لغرض الدِّينِ ، أو لغرض الدُّنيَا .


[4024]:- ينظر: الإملاء لأبي البقاء 1/101.
[4025]:- ينظر: تفسير القرطبي 3/154.