المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

اصبر - يا محمد - على ما يقوله فيك المشركون ، واذكر عبدنا داود ذا القوة في الدين والدنيا ، إنه كان رجَّاعاً إلى الله في جميع أحواله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

قال لرسوله : { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } كما صبر مَنْ قبلك من الرسل ، فإن قولهم لا يضر الحق شيئا ، ولا يضرونك في شيء ، وإنما يضرون أنفسهم .

لما أمر اللّه رسوله بالصبر على قومه ، أمره أن يستعين على الصبر بالعبادة للّه وحده ، ويتذكر حال العابدين ، كما قال في الآية الأخرى : { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }

ومن أعظم العابدين ، نبي اللّه داود عليه الصلاة والسلام { ذَا الْأَيْدِ }  أي : القوة العظيمة على عبادة اللّه تعالى ، في بدنه وقلبه . { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي : رجَّاع إلى اللّه في جميع الأمور بالإنابة إليه ، بالحب والتأله ، والخوف والرجاء ، وكثرة التضرع والدعاء ، رجاع إليه عندما يقع منه بعض الخلل ، بالإقلاع والتوبة النصوح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

17

( اصبر على ما يقولون ، واذكر عبدنا داود ذا الأيد ، إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . والطير محشورة كل له أواب . وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ) . .

( اصبر ) . . إنها الإشارة إلى الطريق المطروق في حياة الرسل - عليهم صلوات الله - الطريق الذي يضمهم أجمعين . فكلهم سار في هذا الطريق . كلهم عانى . وكلهم ابتلي . وكلهم صبر . وكان الصبر هو زادهم جميعاً وطابعهم جميعاً . كل حسب درجته في سلم الأنبياء . . لقد كانت حياتهم كلها تجربة مفعمة بالابتلاءات ؛ مفعمة بالآلام ؛ وحتى السراء كانت ابتلاء وكانت محكاً للصبر على النعماء بعد الصبر على الضراء . وكلتاهما في حاجة إلى الصبر والاحتمال . .

ونستعرض حياة الرسل جميعاً - كما قصها علينا القرآن الكريم - فنرى الصبر كان قوامها ، وكان العنصر البارز فيها . ونرى الابتلاء والامتحان كان مادتها وماءها . .

لكأنما كانت تلك الحياة المختارة - بل إنها لكذلك - صفحات من الابتلاء والصبر معروضة للبشرية ، لتسجل كيف تنتصر الروح الإنسانية على الآلام والضرورات ؛ وكيف تستعلي على كل ما تعتز به في الأرض ؛ وتتجرد من الشهوات والمغريات ؛ وتخلص لله وتنجح في امتحانه ، وتختاره على كل شيء سواه . . ثم لتقول للبشرية في النهاية : هذا هو الطريق . هذا هو الطريق إلى الاستعلاء ، وإلى الارتفاع . هذا هو الطريق إلى الله .

( اصبر على ما يقولون ) . . وقد قالوا : ( هذا ساحر كذاب ) . . وقالوا : ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? إن هذا لشيء عجاب ) . . وقالوا : ( أأنزل عليه الذكر من بيننا ? ) . . وغير ذلك كثير . والله يوجه نبيه إلى الصبر على ما يقولون . ويوجهه إلى أن يعيش بقلبه مع نماذج أخرى غير هؤلاء الكفار . نماذج مستخلصة كريمة . هم إخوانه من الرسل الذين كان يذكرهم [ صلى الله عليه وسلم ] ويحس بالقرابة الوثيقة بينه وبينهم ؛ ويتحدث عنهم حديث الأخوة والنسب والقرابة . وهو يقول . . رحم الله أخي فلاناً . . أو أنا أولى بفلان .

( اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب ) . .

يذكر داود هنا بأنه ذو القوة . وبأنه أواب . . وقد جاء من قبل ذكر قوم نوح وعاد وفرعون ذي الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة . . وهم طغاة بغاة . كان مظهر قوتهم هو الطغيان والبغي والتكذيب . فأما داود فقد كان ذا قوة ، ولكنه كان أواباً ، يرجع إلى ربه طائعاً تائباً عابداً ذاكراً . وهو القوي ذو الأيد والسلطان .

وقد مضى في سورة البقرة بدء قصة داود ، وظهوره في جيش طالوت ، في بني إسرائيل - من بعد موسى - إذ قالوا لنبي لهم : ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله . فاختار لهم طالوت ملكاً . ولقي بهم عدوهم الجبار جالوت وجنوده . وقتل داود جالوت . وكان إذ ذاك فتى . ومنذ ذلك الحين ارتفع نجمه حتى ولي الملك أخيراً ؛ وأصبح ذا سلطان . ولكنه كان أواباً رجاعاً إلى ربه بالطاعة والعبادة والذكر والاستغفار .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرا له بالصبر على أذاهم ومبشرا له على صبره بالعاقبة والنصر والظفر .

يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه السلام : أنه كان ذا أيد والأيد : القوة في العلم والعمل .

قال ابن عباس وابن زيد والسدي : الأيد : القوة وقرأ ابن زيد : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ]

وقال مجاهد : الأيد : القوة في الطاعة .

وقال قتادة : أعطي داود عليه السلام قوة في العبادة وفقها في الإسلام ، وقد ذكر لنا أنه عليه السلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر .

وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى » وإنه كان أوابا ، وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشئونه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

أعقب حكاية أقوالهم من التكذيب ابتداء من قوله : { وقَالَ الكافرون هذا ساحِرٌ كذَّابٌ } [ ص : 4 ] إلى هنا ، بأمرِ الله رسولَه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أقوالهم إذ كان جميعها أذى : إما صريحاً كما قالوا : { ساحر كذَّاب } وقالوا : { إن هذا إلا اختلاقٌ } [ ص : 7 ] { إن هذا لشيء يُرادُ } [ ص : 6 ] ، وإمّا ضِمناً وذلك ما في سائر أقوالهم من إنكار ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بقولهم : { ربَّنَا عَجِل لنا قِطَّنَا } [ ص : 16 ] من إثبات أن الإله واحد ، ويشمل ما يقولونه مما لم يحك في أول هذه السورة .

وقوله : { واذكر عبدنا داوودَ } إلى آخره يجوز أن يكون عطفاً على قوله : { اصبر على ما يقولون } بأن أُتبع أمره بالصبر وبالائتساء ببعض الأنبياء السابقين فيما لَقُوه من الناس ثم كانت لهم عاقبة النصر وكشف الكرب . ويجوز أن يكون عطفاً على مجموع ما تقدّم عطْفَ القصة على القصة والغرض هو هو . وابتدىء بذكر داود لأن الله أعطاه مُلْكاً وسلطاناً لم يكن لآبائه ففي ذكره إيماء إلى أن شأن محمد صلى الله عليه وسلم سيصير إلى العزة والسلطان ، ولم يكن له سلف ولا جند فقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بحال داود عليه السلام .

وأدمج في خلال ذلك الإِيماء إلى التحذير من الضجر في ذات الله تعالى واتقاءِ مراعاة حظوظ النفس في سياسة الأمة إبعاداً لرسوله صلى الله عليه وسلم عن مهاوي الخطأ والزلَل وتأديباً له في أول أمره وآخره مما أن يتلقى بالعَذَل . وكان داود أيضاً قد صبر على ما لقِيَه من حسد شاول ( طالوت ) ملك إسرائيل إياه على انتصاره على جالوت ملك فلسطين .

فالمصدر المتصرِّف منه { واذكر عبدنا داوود } هو الذكر بضم الذال وهو التذكرُّ وليس هو ذِكر اللسان لأنه إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لتسليته وحفظ كماله لا لِيُعْلمه المشركين ولا لِيُعْلِمه المسلمين على أن كِلا الأمرين حاصل تبعاً حين إبلاغ المنزَّل في شأن داود إليهم وقراءته عليهم . ومعنى الأمر بتذكر ذلك تذكر ما سبق إعلام النبي صلى الله عليه وسلم به من فضائله وتذكير ما عسى أن يكون لم يعلمه مما يعلم به في هذه الآية .

ووصفُ داود ب { عَبْدَنَا } وصفُ تشريف بالإِضافة بقرينة المقام كما تقدم عند قوله : { إلا عباد اللَّه المخلصين } في سورة [ الصافات : 40 ] .

و { الأَيْد } : القوة والشدة ، مصدر : آدَ يئيد ، إذا اشتدّ وقَوي ، ومنه التأييد التقوية ، قال تعالى : { فآواكم وأيدكم بنصره } في سورة [ الأنفال : 26 ] .

( وكان داود قد أعطي قوة نادرة وشجاعة وإقداماً عجيبين وكان يرمي الحجر بالمقلاع فلا يخطىءُ الرميَّة ، وكان يلوي الحديد ليصنعه سرداً للدروع بأصابعه ، وهذه القوة محمودة لأنه استعملها في نصر دين التوحيد .

وجملة { إنَّه أوَّابٌ } تعليل للأمر بذكره إيماء إلى أن الأمر لقصد الاقتداء به ، كما قال تعالى :

{ فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] ، فالجملة معترضة بين جملة { واذكُرْ } وجملةِ بيانها وهي { إنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ معه .

والأوّاب : الكثير الأوْب ، أي الرجوع . والمراد : الرجوع إلى ما أمر الله به والوقوف عند حدوده وتدارك ما فرط فيه . والتائب يطلق عليه الأوّاب ، وهو غالب استعمال القرآن وهو مجاز ولا تسمّى التوبة أوباً ، وزبور } داود المسمى عند اليهود ب« المزامير » مشتمل على كثير من الاستغفار وما في معناه من التوبة .