وبهذا تنتهي تلك الجولة المديدة في الأنفس والآفاق ، لتبدأ بعدها جولة في مصارع الغابرين ، بعدما جاءتهم النذر فكذبوا بها كما يكذب المشركون . وهي جولة مع قدرة الله ومشيئته وآثارها في الأمم قبلهم واحدة واحدة .
( وأنه أهلك عادا الأولى . وثمود فما أبقى . وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى . والمؤتفكة أهوى . فغشاها ما غشى . فبأي آلاء ربك تتمارى ? )
إنها جولة سريعة . تتألف من وقفة قصيرة على مصرع كل أمة ، ولمسة عنيفة تخز الشعور وخزا .
وعاد وثمود وقوم نوح يعرفهم قارئ القرآن في مواضع شتى ! والمؤتفكة هي أمة لوط . من الإفك والبهتان والضلال . . وقد أهواها في الهاوية وخسف بها
{ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى } وهم : قوم هود . ويقال لهم : عاد بن إرم بن سام بن نوح ، كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } [ الفجر : 6 - 8 ] ، فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله وعلى رسوله ، فأهلكهم الله { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } [ الحاقة : 6 ، 7 ] .
لما استُوفي ما يستحقه مقام النداء على باطل أهل الشرك من تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وطعنهم في القرآن ، ومن عبادة الأصنام ، وقولهم في الملائكة ، وفاسد معتقدهم في أمور الآخرة ، وفي المتصرف في الدنيا ، وكان معظم شأنهم في هذه الضلالات شبيهاً بشأن أمم الشرك البائدة نقل الكلام إلى تهديدهم بخوف أن يحل بهم ما حل بتلك الأمم البائدة فذكر من تلك الأمم أشهرها عند العرب وهم : عاد ، وثمود ، وقوم نوح ، وقوم لوط .
فموقع هذه الجملة كموقع الجمل التي قبلها في احتمال كونها زائدة على ما في صحف موسى وإبراهيم ويحتمل كونُها مما شملته الصحف المذكورة فإن إبراهيم كان بعد عاد وثمود وقوم نوح ، وكان معاصراً للمؤتفكة عالماً بهلاكها .
ولكون هلاك هؤلاء معلوماً لم تقرن الجملة بضمير الفصل .
ووصف عاد ب { الأولى } على اعتبار عاد اسماً للقبيلة كما هو ظاهر . ومعنى كونها أولى لأنها أول العرب ذكراً وهم أول العرب البائدة وهم أول أمة أهلكت بعد قوم نوح .
وأما القول بأن عاداً هذه لما هلكت خلفتها أمة أخرى تُعرف بعاد إرم أو عاد الثانية كانت في زمن العماليق فليس بصحيح .
ويجوز أن يكون { الأولى } وصفاً كاشفاً ، أي عاداً السابقة . وقيل { الأولى } صفة عظمة ، أي الأولى في مراتب الأمم قوة وسعة ، وتقدم التعريف بعاد في سورة الأعراف .
وتقدم ذكر ثمود في سورة الأعراف أيضاً .
وتقدم ذكر نوح وقومه في سورة آل عمران وفي سورة الأعراف .
وإنما قدم في الآية ذكر عاد وثمود على ذكر قوم نوح مع أن هؤلاء أسبق لأن عاداً وثموداً أشهر في العرب وأكثر ذكراً بينهم وديارهم في بلاد العرب .
وقرأ الجمهور { عاداً الأولى } بإظهار تنوين { عاداً } وتحقيق همزة { الأولى } . وقرأ ورش عن نافع وأبو عمرو { عاد لُولى } بحذف همزة { الأولى } بعد نقل حركتها إلى اللام المعرِّفة وإدغام نون التنوين من { عاداً } في لاَم { لُولى } . وقرأه قالون عن نافع بإسكان همزة { الأولى } بعد نقل حركتها إلى اللام المعرِفة { عاد لُؤْلى } على لغة من يبدل الواو الناشئة عن إشباع الضمة همزاً ، كما قرىء { فاستوى على سؤقه } [ الفتح : 29 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.