واختلف الناس في «الضريع » ، فقال الحسن وجماعة من المفسرين : هو الزقوم ، لأن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أن الكفار لا طعام لهم { إلا من ضريع } ، وقد أخبر أن الزقوم طعام الأثيم{[11765]} ، فذلك يقتضي أن الضريع الزقوم ، وقاله سعيد بن جبير «الضريع » : الحجارة ، وقال مجاهد وابن عباس وقتادة وعكرمة : «الضريع » شبرق{[11766]} النار ، وقال أبو حنيفة : «الضريع » الشبرق وهو مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه شحماً ولا لحماً ، ومنه قول أبي عيزارة الهذلي : [ الطويل ]
وحبسْنَ في هزم الضريع فكلها . . . جرباء دامية اليدين حرود{[11767]}
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى . . . وعاد ضريعاً بان منه النحائض{[11768]}
وقيل «الضريع » : العشرق{[11769]} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «الضريع » : شوك في النار{[11770]} ، وقال بعض اللغويين : «الضريع » يبيس العرفج{[11771]} إذا تحطم ، وقال آخرون : هو رطب العرفج ، وقال الزجاج : هو نبت كالعوسج{[11772]} ، وقال بعض المفسرين : «الضريع » نبت في البحر أخضر منتن مجوف مستطيل له بورقية كثيرة ، وقال ابن عباس : «الضريع » : شجر من نار ، وكل من ذكر شيئاً مما ذكرناه فإنما يعني أن ذلك من نار ولا بد ، وكل ما في النار فهو نار . وقال قوم : { ضريع } واد في جهنم ، وقال جماعة من المتأولين : «الضريع » طعام أهل النار ولم يرد أن يخصص شيئاً مما ذكرنا ، وقال بعض اللغويين : وهذا لا تعرفه العرب ، وقيل : «الضريع » : الجلدة التي على العظم تحت اللحم ، ولا أعرف من تأول الآية بهذا ، وأهل هذه الأقاويل يقولون الزقوم لطائفة ، والضريع لطائفة والغسلين لطائفة ، واختلف في المعنى الذي سمي ضريعاً فقيل هو ضريع بمعنى مضرع أي مضعف للبدن مهزل ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد جعفر بن أبي طالب : «ما لي أراهما ضارعين{[11773]} » ؟ يريد هزيلين ، ومن فعيل بمعنى مفعل قول عمرو بن معد يكرب : [ الوافر ] __
أمن ريحانة الداعي السميع . . . يؤرقني وأصحابي هجوم{[11774]}
يريد السمع ، وقيل { ضريع } فعيل من المضارعة ، أي الاشتباه لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به .
وجملة : { ليس لهم طعام } الخ خبر سادس عن { وجوه } .
وضمير { لهم } عائد إلى { وجوه } باعتبار تأويله بأصحاب الوجوه ولذلك جىء به ضمير جماعة المذكر . والتذكير تغليب للذكور على الإِناث .
والضريع : يابس الشِّبْرِق ( بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وكسر الراء ) وهو نبت ذو شَوك إذا كان رطباً فإذا يبس سمي ضَريعاً وحينئذ يصير مسموماً وهو مرعى للإِبل ولحُمُر الوحش إذا كان رطباً ، فما يعذب بأهل النار بأكله شبه بالضريع في سوء طعمه وسوء مَغبته .
وقيل : الضريع اسم سَمّى القرآن به شجراً في جهنم وأن هذا الشجر هو الذي يسيل منه الغِسلين الوارد في قوله تعالى : { فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين } [ الحاقة : 35 ، 36 ] وعليه فحرف { مِن للابتداء ، أي ليس لهم طعام إلا ما يخرج من الضريع والخارج هو الغسلين وقد حصل الجمع بين الآيتين .
ووصفُ ضريع بأنه لا يُسمن ولا يغني من جوع لتشويهه وأنه تمحض للضر فلا يعود على آكليه بسمن يصلح بعض ما التفح من أجسادهم ، ولا يغني عنهم دفع ألم الجوع ، ولعل الجوع من ضروب تعذيبهم فيسألون الطعام فيُطعمون الضريع فلا يدفع عنهم ألم الجوع .