{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي ، فلا يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي فإن الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله . ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله ، فمن أطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب .
ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه ، دخل النار وخلد فيها ، ومن اجتمع فيه معصية وطاعة ، كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية . وقد دلت النصوص المتواترة على أن الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد ، غير مخلدين في النار ، فما معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود فيها .
وقبل أن يأخذ السياق في تحديد أنصبة الورثة ، يعود ليحذر من أكل أموال اليتامى . . يعود إليه في هذه المرة ليلمس القلوب لمستين قويتين : أولاهما تمس مكمن الرحمة الأبوية والإشفاق الفطري على الذرية الضعاف وتقوى الله الحسيب الرقيب . والثانية تمس مكان الرهبة من النار ، والخوف من السعير ، في مشهد حسي مفزع :
( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم . فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا . إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ، وسيصلون سعيرا ) . .
وهكذا تمس اللمسة الأولى شغاف القلوب . قلوب الآباء المرهفة الحساسية تجاه ذريتهم الصغار . بتصور ذريتهم الضعاف مكسوري الجناح ، لا راحم لهم ولا عاصم . كي يعطفهم هذا التصور على اليتامى الذين وكلت إليهم أقدارهم ، بعد أن فقدوا الآباء . فهم لا يدرون أن تكون ذريتهم غدا موكولة إلى من بعدهم من الأحياء ، كما وكلت إليهم هم أقدار هؤلاء . . مع توصيتهم بتقوى الله فيمن ولاهم الله عليهم من الصغار ، لعل الله أن يهييء لصغارهم من يتولى أمرهم بالتقوى والتحرج والحنان . وتوصيتهم كذلك بأن يقولوا في شأن اليتامى قولا سديدا ، وهم يربونهم ويرعونهم كما يرعون أموالهم ومتاعهم . .
أي : هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قُربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه ، هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها ؛ ولهذا قال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيها ، فلم يزد بعض الورثة ولم{[6770]} ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة ، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي ، لكونه غيَّر ما حكم الله به وضاد الله في حكمه . وهذا إنما يصدر عن{[6771]} عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شَهْر ابن حَوْشَب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرَّجُلَ لَيَعْمَل بعمل أهل الخير سبعين سَنةً ، فإذا أوْصَى حَافَ في وصيته ، فيختم{[6772]} بشر عمله ، فيدخل النار ؛ وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله فيدخل{[6773]} الجنة " . قال : ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } إلى قوله : { عَذَابٌ مُهِينٌ }{[6774]} .
[ و ]{[6775]} قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من{[6776]} سننه : حدثنا عَبْدَة{[6777]} بن عبد الله أخبرنا عبد الصمد ، حدثنا [ نصر ]{[6778]} بن علي الحُدَّاني ، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحُدَّاني ، حدثني شَهْرُ بن حَوشَب : أن أبا هريرة حدثه : أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فَيُضَاران في الوصية ، فتجب لهما النار " وقال : قرأ عليّ أبو هريرة من هاهنا : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ } حتى بلغ : { [ وَ ]{[6779]} ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وهكذا{[6780]} رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عبد الله بن جابر الحُدَّاني به ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل{[6781]} .
{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } توحيد الضمير في يدخله ، وجمع { خالدين } للفظ والمعنى . وقرأ نافع وابن عامر { ندخله } بالنون و{ خالدين } حال مقدرة كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، وكذلك خالدا وليستا صفتين لجنات ونارا وإلا لوجب إبراز الضمير لأنهما جريا على غير من هما له .
وقوله : { ومن يعص الله ورسوله } الآية ، قرأ نافع وابن عامر «ندخله » بنون العظمة ، وقرأ الباقون يدخله بالياء فيهما جميعاً ، وهذه آيتا وعد ووعيد ، وتقدم الإيجاز في ذلك ، ورجَّى الله تعالى على التزام هذه الحدود في قسمة الميراث ، وتوعد على العصيان فيها بحسب إنكار العرب لهذه القسمة ، وقد كلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن وغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.