وقد جاء هذا التوجيه أول مرة في السورة بمناسبة الكلام عن الأهواء المتفرقة والأحزاب المختلفة . أما هنا فيجيء بمناسبة الشركاء ، والرزق ومضاعفته ، والفساد الناشئ من الشرك ، وما يذوقه الناس في الأرض من ظهور الفساد واستعلائه ، وعاقبة المشركين في الأرض . يجيء بهذه المناسبة فيبين جزاء الآخرة ونصيب المؤمنين والكافرين فيها ؛ ويحذرهم من يوم لا مرد له من الله . يوم يتفرقون فريقين : ( من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) . .
ويمهد معناها يمهد ويعبد ، ويعد المهد الذي فيه يستريح ، ويهييء الطريق أو المضجع المريح . وكلها ظلال تتجمع وتتناسق ، لتصور طبيعة العمل الصالح ووظيفته . فالذي يعمل العمل الصالح إنما يمهد لنفسه ويهييء أسباب الراحة في ذات اللحظة التي يقوم فيها بالعمل الصالح لا بعدها . وهذا هو الظل الذي يلقيه التعبير .
القول في تأويل قوله تعالى : { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : من كفر بالله فعليه ، أو زاد كفره ، وآثام جحوده نِعَمَ ربه ، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحا يقول : ومن أطاع الله ، فعمل بما أمره به في الدنيا ، وانتهى عما نهاه عنه فيها فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَمْهَدونَ يقول : فلأنفسهم يستعدون ، ويسوّون المضجع ليسلموا من عقاب ربهم ، وينجوا من عذابه ، كما قال الشاعر :
امْهَدْ لنَفْسِكَ حانَ السّقْمُ والتّلَفُ *** وَلا تُضِيعَنّ نَفْسا ما لَهَا خَلَفُ
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ قال : يسوّون المضاجع .
حدثنا ابن المثنى والحسين بن يزيد الطحان وابن وكيع وأبو عبد الرحمن العلائي ، قالوا : حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ قال : في القبر .
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ قال : للقبر .
حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا يحيى بن سليم ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، قال : سمعت مجاهدا يقول : في قوله فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ قال : في القبر .
ثم عبر عن «الكفر » ب «عليه » وهي تعطي الثقل والمشقة وعن العمل الصالح باللام التي هي كلام الملك{[9324]} ، و { يمهدون } معناه يوطئون ويهيئون وهي استعارة منقولة من الفرش ونحوها إلى الأحوال والمراتب ، وقال مجاهد : هذا التمهيد هو للقبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.