{ 16 - 19 } { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالوحي ، وشرع في تلاوته عليه ، بادره النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص قبل أن يفرغ ، وتلاه مع تلاوة جبريل إياه ، فنهاه الله عن هذا ، وقال : { وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ }
ثم تجيء الآيات الأربع الخاصة بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في شأن الوحي وتلقي هذا القرآن :
( لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه ) . .
وبالإضافة إلى ما قلناه في مقدمة السورة عن هذه الآيات ، فإن الإيحاء الذي تتركه في النفس هو تكفل الله المطلق بشأن هذا القرآن : وحيا وحفظا وجمعا وبيانا ؛ وإسناده إليه سبحانه وتعالى بكليته . ليس للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من أمره إلا حمله وتبليغه . ثم لهفة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وشدة حرصه على استيعاب ما يوحى إليه ؛ وأخذه مأخذ الجد الخالص ، وخشيته أن ينسى منه عبارة أو كلمة ، مما كان يدعوه إلى متابعة جبريل عليه السلام في التلاوة آية آية وكلمة كلمة يستوثق منها أن شيئا لم يفته ، ويتثبت من حفظه له فيما بعد !
وتسجيل هذا الحادث في القرآن المتلو له قيمته في تعميق هذه الإيحاءات التي ذكرناها هنا وفي مقدمة السورة بهذا الخصوص .
القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تحرّك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به .
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ فقال بعضهم : قيل له ذلك ، لأنه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به ، يريد حفظه من حبه إياه ، فقيل له : لا تعجل به فإنّا سَنحفظُه عليك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجّل يريد حفظه ، فقال الله تعالى ذكره : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنّ عَلَيْنَا جمْعَهُ وَقُرآنَهُ وقال ابن عباس : هكذا ، وحرّك شفتيه .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهبّاريّ ويونس قالا : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن سعيد بن جُبير ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجّل به يريد حفظه وقال يونس : يحرّك شفتيه ليحفظه ، فأنزل الله : لا تُحَرّكْ بِه لسَانَكَ لتَعْجَلَ بِه إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي عائشة ، سمع سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس مثله ، وقال : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال : هكذا ، وحرّك سفيان فاه .
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي ، كان يحرّك به لسانه وشفتيه ، فيشتدّ عليه ، فكان يعرف ذلك فيه ، فأنزل الله هذه الاَية في «لا أقسم بيوم القيامة » : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن ، حرّك شفتيه ، فيعرف بذلك ، فحاكاه سعيد ، فقال : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال : لتعجل بأخذه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال سمعت سعيد بن جُبير يقول : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . قال : كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن ، فيحرّك به لسانه ، يستعجل به ، فقال : لا تُحَرّكْ به لسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ربعى بن علية ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ في هذه الاَية : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال : كان إذا نزل عليه الوحي عَجِل يتكلم به من حبه إياه ، فنزل . لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَك لِتَعْجَلَ بِهِ قال : لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضي إليك وحيه ، فإذا قضينا إليك وحيه ، فتكلم به .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال : كان نبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي من القرآن حرّك به لسانه مخافة أن ينساه .
وقال آخرون : بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك ، أنه كان يُكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه ، فقيل له : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إن علينا أن نجمعه لك ، ونقرئكه فلا تنسى . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال : كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه ، فقال الله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إن علينا أن نجمعه لك ، وقرآنه : أن نقرئك فلا تنسى .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال : كان يستذكر القرآن مخافة النسيان ، فقال له : كفيناكه يا محمد .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَيّة ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه ليستذكره ، فقال الله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنا سنحفظه عليك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه مخافة النسيان ، فأنزل الله ما تسمع .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيكثر مخافة أن ينسى .
وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، القول الذي ذُكر عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، وذلك أن قوله : إنّ عَليْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ ينبىء أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلاً فيه قبل جمعه ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبيّ صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك .
الضمير في { به } عائد على كتاب الله تعالى ولم يجر له ذكر ، ولكن القرائن تبينه ، فهذا كقوله تعالى : { توارت بالحجاب }{[11472]} [ ص : 32 ] ، وكقوله تعالى : { كلا إذا بلغت التراقي }{[11473]} يعني النفس ، واختلف المتأولون في السبب الموجب أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ، فقال الشعبي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرصه على أداء الرسالة والاجتهاد في ذات الله تعالى ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي ، فأمر أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يفضى إليه وحيه . وجاءت هذه الآية في هذا المعنى . وقال الضحاك . كان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق ، فنزلت الآية في ذلك ، وقال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ، وكان مما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه ، فنزلت الآية بسبب ذلك وأعمله الله تعالى أنه يجمعه له في صدره . {[11474]}
هذه الآية وقعت هنا معترضة . وسبب نزولها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يُحرك به لسانه يُريد أن يحفَظَه مخافةَ أن يتَفَلَّتَ منه ، أو من شدة رغبته في حِفْظه فكان يلاقي من ذلك شدة فأنَزَل الله تعالى : { لا تُحَرِّكْ به لسانك لتَعْجَل بِه إِنَّ علينا جمعَه وقرآنه } . قال : جَمْعَه في صدرك ثم تَقْرَأُه فإذا قرأنَاه فاتّبعْ قُرْآنه قال فاستَمِعْ له وأنْصِتْ ، ثم إن علينا أن نبيّنه بلسانك ، أي أن تقرأه » اه . فلما نزل هذا الوحي في أثناء نزول السورة للغرض الذي نزل فيه ولم يَكن سورةً مستقلة كان ملحقاً بالسورة وواقعاً بين الآي التي نَزَل بينها .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تحرّك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به. واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له:"لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ"؛
فقال بعضهم: قيل له ذلك، لأنه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به، يريد حفظه من حبه إياه، فقيل له: لا تعجل به فإنّا سَنحفظُه عليك.
عن ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجّل يريد حفظه، فقال الله تعالى ذكره: "لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنّ عَلَيْنَا جمْعَهُ وَقُرآنَهُ" وقال ابن عباس: هكذا، وحرّك شفتيه.
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك، أنه كان يُكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه، فقيل له: "لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ" إن علينا أن نجمعه لك، ونقرئكه فلا تنسين. عن ابن عباس، قال: كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه.
وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذُكر عن ابن عباس، وذلك أن قوله: إنّ عَليْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ ينبئ أنه إنما نهي عن تحريك اللسان به متعجلاً فيه قبل جمعه، ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبيّ صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقن الوحي نازع جبريل القراءة، ولم يصبر إلى أن يتمها، مسارعة إلى الحفظ وخوفاً من أن يتفلت منه، فأمر بأن يستنصت له ملقياً إليه بقلبه وسمعه، حتى يقضى إليه وحيه، ثم يقفيه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه.
والمعنى: لا تحرّك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل صلوات الله عليه يقرأ {لِتَعْجَلَ بِهِ} لتأخذه على عجلة، ولئلا يتفلت منك.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
الضمير في {به} عائد على كتاب الله تعالى ولم يجر له ذكر، ولكن القرائن تبينه،... واختلف المتأولون في السبب الموجب أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، فقال الشعبي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرصه على أداء الرسالة والاجتهاد في ذات الله تعالى ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يفضى إليه وحيه. وجاءت هذه الآية في هذا المعنى.
وقال الضحاك: كان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن ينسى القرآن، فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق، فنزلت الآية في ذلك.
وقال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه، فنزلت الآية بسبب ذلك وأعمله الله تعالى أنه يجمعه له في صدره.
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَك لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَالِجُ من التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَرِّكُهُمَا. وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَك لِتَعْجَلَ بِهِ إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ لَك فِي صَدْرِك وَتَقْرَؤُهُ. «فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ». قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ. (ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ): ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَقْرَأَهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا أَقْرَأَهُ.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم تجيء الآيات الأربع الخاصة بتوجيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] في شأن الوحي وتلقي هذا القرآن:
(لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه)..
وبالإضافة إلى ما قلناه في مقدمة السورة عن هذه الآيات، فإن الإيحاء الذي تتركه في النفس هو تكفل الله المطلق بشأن هذا القرآن: وحيا وحفظا وجمعا وبيانا؛ وإسناده إليه سبحانه وتعالى بكليته. ليس للرسول [صلى الله عليه وسلم] من أمره إلا حمله وتبليغه. ثم لهفة الرسول [صلى الله عليه وسلم] وشدة حرصه على استيعاب ما يوحى إليه؛ وأخذه مأخذ الجد الخالص، وخشيته أن ينسى منه عبارة أو كلمة، مما كان يدعوه إلى متابعة جبريل عليه السلام في التلاوة آية آية وكلمة كلمة يستوثق منها أن شيئا لم يفته، ويتثبت من حفظه له فيما بعد!
وتسجيل هذا الحادث في القرآن المتلو له قيمته في تعميق هذه الإيحاءات التي ذكرناها هنا وفي مقدمة السورة بهذا الخصوص.