الآية 16 : وقوله تعالى : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } هذا كلام مبتدأ منفصل عن الأول . وذكر أهل التأويل أن جبريل عليه السلام كان إذا أتى نبي الله عليه السلام بالوحي كان لا يفرغ من آخر الآية حتى يتلوها{[22787]} نبي الله عليه السلام من{[22788]} أولها مخافة النسيان على ما عليه عرف الخلق أنهم إذا أرادوا وعي الكلام وحفظه [ كرروه بألسنتهم كي يضبطوه ، ولا ينسوه ]{[22789]} فكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك خشية النسيان . فنهي عن ذلك بقوله : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } وهو كقوله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه }[ طه : 114 ] .
وهذا عندنا مما لا يجوز أن يشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يحرك لسانه قبل مجيء هذه الآية ، ويتذكره مخافة النسيان إلا{[22790]} بأخبار متواترة لأن هذا في حق الشهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل كذلك إلا بتواتر الأخبار .
فأما إن ثبت بخبر واحد فلا ، ولا يقال : إنه لو لم يتقدم منه التحريك لكان لا معنى/ 616 – ب/ للنهي ، فإنه ليس فيه ما يثبت مقالتهم ، ويصحح تأويلهم ، ويصحح تأويلهم ، ويسوّغ لهم الشهادة ، لأنه لا يستقيم في الابتداء أن ينهى ، فيقال : { لا تحرك به لسانك } ولا تفعل كذا ، وإن لم يسبق منه ارتكاب ذلك الفعل ، ولا تقدم منه تحريك لسانه ، فثبت أنه ليس في ضمن هذه الآية بيان ما ادعوا . هذا إذا ثبت أن قوله : { لا تحرك به لسانك } وقوله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه }بطه : 114 ] على النهي ، وهو يحتمل معنى آخر غير النهي ، وهو أن يكون هذا على البشارة له بالكناية أن قد كفيت مؤونة الاستذكار للحفظ ، وهذا من عظيم آيات الرسالة أن السورة تلقى عليه ، فيحفظها كما هي مما يشتد على الناس حفظه وقراءته إلا أن يتكلفوا ، ويجتهدوا في ذلك ، فيعلم بهذا أن الله عز وجل هو الذي أقدره على ذلك ، وجعله آية من آياته ، والله أعلم .
ثم الأصل أن من ألقى إلى آخر كلاما متتابعا نظر في ذلك الكلام ، فإن كان القصد منه حفظ عين الكلام فإن المخاطب به لا ينتظر فراغ المتكلم من ذلك الكلام ، بل يشتغل بالتقانه وحفظه ساعة ما يلقى إليه كمن ينشد بين يدي آخر شعرا ، وأراد الآخر أن يحفظ ذلك الشعر ، ويعيه ، فهو لا ينتظر فراغ المنشد من شعره ، بل هو يأخذ بالتقانه في أول ما يسمع منه ، إذ الغرض من الأشعار حفظ أعينها لا{[22791]} معانيها .
ألا ترى أن الألفاظ إذا حذفت منها خرجت عن أن تكون شعرا ؟ .
وأما إذا لم يكن القصد من الكلام ضبط عينه ، وإنما أريد به تفهم ما أودع فيه من المعنى ، فالعادة في مثله الإصغاء إلى آخر الكلام ليفهم معناه وما يراد به .
ألا ترى أن من كتب إلى آخر كتابا ، وأن المكتوب إليه يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره ليعرف مراد الكتاب لا أن يشتغل بضبط ما أودع فيه من الألفاظ[ إذ ليس يقصد بالكتابة إلى حفظ الألفاظ ]{[22792]} ؟ .
فإذا كان المراد يتوجه من الكلام إلى ما ذكرنا ففي{[22793]} القرآن قصد به الوجهان جميعا : ضبط حروفه ونظمه[ وأن ]{[22794]} يعرف ما أودع فيه من المعاني ، إذ صار حجة بنظمه ولفظه والمعاني المودوعة فيه .
وقيل : لا تعجل بتحريك [ اللسان ]{[22795]} كما يفعل من يريد التقان الكلام الذي يلقى إليه ، فإنك وإن أحوجت إلى حفظ نظمه وحروفه فقد كفيت حفظه بدون تحريك اللسان .
وجائز أن يكون نهي عن تحريك اللسان والمبادرة إلى حفظه قبل أن يقضى إليه بالوحي لما فيه ترك العظيم ممن يأتيه بالوحي ، فأمر أن يصغي إليه بسمعه ، ويستمع إلى آخره تعظيما للذي آتاه الوحي وتوقيرا له .
ثم هذه الآية تنقض على الباطنية قولهم [ بوجهين :
أحدهما : ]{[22796]} : لأن من قولهم أن القرآن لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤلفا منظوما ، بل أنزل على قلبه كالخيال ، فصوره بقلبه ، وألفه بلسانه ، فأتى بتأليف ، عجز الآخرون عن أن يؤلفوا مثله .
ونحن نقول : بل أنزل هذا القرآن مؤلفا منظوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن التأليف من فعله . والذي يدل على صحة مقالتنا قوله تعالى : { لا ترحك به لسانك }لأن التأليف لو كان من فعله عليه السلام لكان لا يوجد منه تحريك اللسان وقت ما نزل عليه ، لأنه إذا كان كالخيال فهو يحتاج أن يصوره في قلبه ، ثم يصل إلى التأليف بعد التصوير ، وتتأتى له العبارة باللسان . وإنما يقع التحريك من مؤلف منظوم . ثبت أنه أنزل مؤلفا منظوما .
والثاني : أنه قال : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين }[ النحل : 103 ] فهذه الآية نفت طعن أولئك الكفرة الذين يزعمون أن هذا ليس بقرآن ، بل إنما علمه فلان ، وكان لسان ذلك البشر أعجميا ، وهذا القرآن عربي . فكيف يستقيم أن يعلمه ذلك البشر ، ولسانه غير هذا اللسان ؟ .
ولو كان هذا القرآن وقت ما أزل كالخيال لكان ذلك الطعن قائما لأنه كان يؤلفه ، ويجمعه باللسان العربي ، وإن علم بالأعجمية لما قدر أن يؤلفه ، وينظمه بعد أن كان خيالا باللسان العربي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.