اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ} (16)

قوله : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } .

قال بعض الرافضة : عدم مناسبتها لما قبلها يدل على تغيير القرآن .

قال ابن الخطيب{[58686]} : وفي مناسبتها{[58687]} وجوه :

الأول : لعل استعجال الرسول إنما كان عند نزول هذه الآيات .

الثاني : أنه تقدم أن الإنسان يستعجل بقوله : { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ثم بين أن العجلة مذمومة في أمر الدين ، فقال تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } ، وقال تعالى بعدها : { بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة } [ القيامة : 20 ] .

الثالث : أنه قدم { بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } وكان صلى الله عليه وسلم إنما يستعجل خشية النسيان ، فقيل له صلى الله عليه وسلم إن الأمور لا تحصل إلا بتوفيق الله - تعالى - وإعانته ، فاعتمد على الله - تعالى - واترك التعجيل .

الرابع : كأنه قيل : غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه ، وتبلغه إليهم ليظهر صدقك ، وقبح عنادهم ، لكنهم يعلمون ذلك بقلوبهم ، فلا فائدة في هذا التعجيل .

الخامس : أن الكافر لما قال : «أين المَفر » ؟ كأنه يطلب الفرار من الله تعالى ، فكن أنت يا محمد على مضادة الكافر ، وفر من غير الله إلى الله .

السادس : قال القفالُ : الخطاب مع الإنسان المذكور في قوله { يُنَبَّأُ الإنسان } فإذا قيل له : اقرأ كتابك تلجلج لسانه ، فيقال له : لا تعجل ، فإنه يجب علينا بحكم الوعد ، أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك ونقرأها عليك ، فإذا قرآناه فاتَّبعْ قرآنه بالإقرار { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ، وهذا فيه وعيد شديد وتهويل .

روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك لسانه يريد أن يحفظه ، فأنزل الله تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } .

قال : وكان يحرك شفتيه ، فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما ، فحرك شفتيه ، فأنزل الله تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } قال : جمعه في صدرك ثم نقرؤه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ } فاستمع وأنصت ، ثم علينا أن نقرأه ، فيقال : «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمع ، وإذا نطق جبريل - عليه السلام - قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه » خرجه البخاري أيضاً{[58688]} .

ونظير هذه الآية : { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [ طه : 114 ] . وقد تقدم .

وقال عامر الشعبي : إنما كان يُعجِّل بذكره صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي من حبّه له وحلاوته في لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه صلى الله عليه وسلم فنزلت : { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن } الآية .

ونزل : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى } [ الأعلى : 6 ] ، ونزل : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } . قاله ابن عباس : و «قرآنه » أي وقراءته عليك ، والقراءة والقرآن في قول الفراء : مصدران .

وقال قتادة : «فاتَّبع قرآنه » فاتَّبع شرائعه وأحكامه{[58689]} .

قوله : { وَقُرْآنَهُ } ، أي : قراءته ، فهو مصدر مضاف للمفعول ، وأما الفاعل فمحذوف ، والأصل : وقراءتك إياه ، والقرآن : مصدر بمعنى القراءة .

وقال حسان رضي الله عنه : [ البسيط ]

4994 - ضَحَّوْا بأشْمَطَ عُنوانُ السُّجُودِ بِهِ*** يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحاً وقُرْآنا{[58690]}

وقال ابن عطية{[58691]} : قرأ أبو العالية : «إنَّ عَليْنَا جَمعهُ وقَرَتَهُ ، فإذَا قَرَأنَاهُ فاتَّبع قَرَتهُ » . بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف . ولم يذكر توجيهها .

فأما توجيه قوله : «جَمعَهُ وقُرآنهُ » وقوله : «فاتَّبعْ قُرآنهُ » فواضح - كما تقدم - في قراءة ابن كثير في «البقرة » ، وأنه هل هو نقل أو من مادة «قرن » ، وتحقيق القولين مذكور ثمَّة فليلتفت إليه .

وأما قوله : بفتح القاف والراء والتاء ، فيعني في قوله : «فإذا قَرَتَه » يشير إلى أنه قرئ شاذّاً هكذا .

وتوجيهها : أن الأصل : «قَرَأتَهُ » فعلاً ماضياً مسنداً لضمير المخاطب ، أي : فإذا أردت قراءته ، ثم أبدل الهمزة ألفاً لسكونها بعد فتحة ، ثم حذف الألف تخفيفاً ، كقولهم : ولو ترى ما لصبيان ، و «ما » مزيدة ، فصار اللفظ «قَرَتَهُ » .

فصل في لفظ الآية


[58686]:ينظر الفخر الرازي 30/196.
[58687]:في أ: المناسبة.
[58688]:أخرجه البخاري في (8/547) كتاب التفسير: باب لا تحرك به لسانك لتعجل به حديث (4927).
[58689]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/341) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/468) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
[58690]:تقدم.
[58691]:ينظر: المحرر الوجيز 5/405، والبحر المحيط 8/379.