قوله : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } .
قال بعض الرافضة : عدم مناسبتها لما قبلها يدل على تغيير القرآن .
قال ابن الخطيب{[58686]} : وفي مناسبتها{[58687]} وجوه :
الأول : لعل استعجال الرسول إنما كان عند نزول هذه الآيات .
الثاني : أنه تقدم أن الإنسان يستعجل بقوله : { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ثم بين أن العجلة مذمومة في أمر الدين ، فقال تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } ، وقال تعالى بعدها : { بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة } [ القيامة : 20 ] .
الثالث : أنه قدم { بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } وكان صلى الله عليه وسلم إنما يستعجل خشية النسيان ، فقيل له صلى الله عليه وسلم إن الأمور لا تحصل إلا بتوفيق الله - تعالى - وإعانته ، فاعتمد على الله - تعالى - واترك التعجيل .
الرابع : كأنه قيل : غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه ، وتبلغه إليهم ليظهر صدقك ، وقبح عنادهم ، لكنهم يعلمون ذلك بقلوبهم ، فلا فائدة في هذا التعجيل .
الخامس : أن الكافر لما قال : «أين المَفر » ؟ كأنه يطلب الفرار من الله تعالى ، فكن أنت يا محمد على مضادة الكافر ، وفر من غير الله إلى الله .
السادس : قال القفالُ : الخطاب مع الإنسان المذكور في قوله { يُنَبَّأُ الإنسان } فإذا قيل له : اقرأ كتابك تلجلج لسانه ، فيقال له : لا تعجل ، فإنه يجب علينا بحكم الوعد ، أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك ونقرأها عليك ، فإذا قرآناه فاتَّبعْ قرآنه بالإقرار { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ، وهذا فيه وعيد شديد وتهويل .
روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك لسانه يريد أن يحفظه ، فأنزل الله تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } .
قال : وكان يحرك شفتيه ، فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما ، فحرك شفتيه ، فأنزل الله تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } قال : جمعه في صدرك ثم نقرؤه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ } فاستمع وأنصت ، ثم علينا أن نقرأه ، فيقال : «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمع ، وإذا نطق جبريل - عليه السلام - قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه » خرجه البخاري أيضاً{[58688]} .
ونظير هذه الآية : { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [ طه : 114 ] . وقد تقدم .
وقال عامر الشعبي : إنما كان يُعجِّل بذكره صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي من حبّه له وحلاوته في لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه صلى الله عليه وسلم فنزلت : { وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن } الآية .
ونزل : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى } [ الأعلى : 6 ] ، ونزل : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } . قاله ابن عباس : و «قرآنه » أي وقراءته عليك ، والقراءة والقرآن في قول الفراء : مصدران .
وقال قتادة : «فاتَّبع قرآنه » فاتَّبع شرائعه وأحكامه{[58689]} .
قوله : { وَقُرْآنَهُ } ، أي : قراءته ، فهو مصدر مضاف للمفعول ، وأما الفاعل فمحذوف ، والأصل : وقراءتك إياه ، والقرآن : مصدر بمعنى القراءة .
وقال حسان رضي الله عنه : [ البسيط ]
4994 - ضَحَّوْا بأشْمَطَ عُنوانُ السُّجُودِ بِهِ*** يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحاً وقُرْآنا{[58690]}
وقال ابن عطية{[58691]} : قرأ أبو العالية : «إنَّ عَليْنَا جَمعهُ وقَرَتَهُ ، فإذَا قَرَأنَاهُ فاتَّبع قَرَتهُ » . بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف . ولم يذكر توجيهها .
فأما توجيه قوله : «جَمعَهُ وقُرآنهُ » وقوله : «فاتَّبعْ قُرآنهُ » فواضح - كما تقدم - في قراءة ابن كثير في «البقرة » ، وأنه هل هو نقل أو من مادة «قرن » ، وتحقيق القولين مذكور ثمَّة فليلتفت إليه .
وأما قوله : بفتح القاف والراء والتاء ، فيعني في قوله : «فإذا قَرَتَه » يشير إلى أنه قرئ شاذّاً هكذا .
وتوجيهها : أن الأصل : «قَرَأتَهُ » فعلاً ماضياً مسنداً لضمير المخاطب ، أي : فإذا أردت قراءته ، ثم أبدل الهمزة ألفاً لسكونها بعد فتحة ، ثم حذف الألف تخفيفاً ، كقولهم : ولو ترى ما لصبيان ، و «ما » مزيدة ، فصار اللفظ «قَرَتَهُ » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.