نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ} (16)

ولما كان معنى هذا كله أن الإنسان محجوب في هذه الدار عن إدراك الحقائق بما فيه من الحظوظ والكسل والفتور ، لما فيه من النقائص ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبرءاً من ذلك لخلق الله-{[70191]} له كاملاً وترقيته بعد ميلاده كل يوم في مراقي الكمال حتى صار{[70192]} إلى حد لا يشغله عن العلوم-{[70193]} شيء فكان بحيث يرى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر ، ويرى من ورائه كما يرى من أمامه ، ويقول : " والله لا يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم إني أراكم من وراء ظهري " و{[70194]}كان صلى الله عليه وسلم يرى{[70195]} في أشد الظلام وغير ذلك مما له صلى الله عليه وسلم {[70196]}من رقة الجوهر الذي لم ينله أحد غيره ، وذلك{[70197]} مما يدل على الكشف التام ولكنه كان{[70198]} صلى الله عليه وسلم لتعظيمه لهذا القرآن لما له في نفسه من الجلالة{[70199]} ولما فيه من خزائن السعادة والعلوم التي لا حد لها فتستقصى ، ولأنه كلام الملك الأعظم ، وبأمره نزل إليه {[70200]}صلى الله عليه وسلم مع رسوله جبريل عليه الصلاة والسلام{[70201]} ، يعالج عند سماعه أول ما يأتيه شدة ، فكان يحرك به لسانه استعجالاً بتعهده ليحفظه ولا يشذ عنه منه شيء ، وكان قد ختم سبحانه ما قبلها بالمعاذير ، وكانت العجلة مما يعتذر عنه{[70202]} ، وكان الحامل على جميع ما يوجب الملامة والاعتذار ما{[70203]} طبع عليه الإنسان من حب العاجل ، قال سبحانه نتيجة عن هذه المقدمات الموجبة لانكشاف الأشياء للإنسان الموجب للإخبار بها والخوف من عواقبها لئلا يميل إلى العاجلة ولا يقع في مخالفة لولا ما شغله{[70204]} به من الحجب إعلاماً بأنه سبحانه وتعالى قد دفع عن النبي صلى الله عليه وسلم تلك الحجب وأوصله من رتبة{[70205]} " لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً " إلى أنهاها ، وبأنه قادر على ما يريد من كشف ما يريد لمن يريد كما يكشف لكل إنسان عن أعماله في القيامة حتى يصير يعرف{[70206]} ما قدم منها{[70207]} وما أخر ، وتنبيهاً على أنه{[70208]} صلى الله عليه وسلم لا كسب له في هذا القرآن بغير حسن{[70209]} التلقي إبعاداً له عن قول البشر وتمهيداً بما يحرك من لسانه بالقرآن قبل تمام الإلقاء لذم ما طبع عليه الإنسان : { لا تحرك به } أي القرآن الذي هو تذكرة من شاء ذكره لولا حجاب المشيئة ، وقد كشف سبحانه وتعالى حجاب المشيئة لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وشاء أن يذكره حين قال

( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله }[ الإنسان : 30 ] لأنه {[70210]}ما نزله{[70211]} إليه بغير اكتساب منه إلا وقد شاء ذلك { لسانك } الذي ليست{[70212]} له حركة إلا في ذكر الله تعالى .

ولما لم يكن لهذا التحريك فائدة مع حفظ الله له على كل حال إلا قصد الطاعة بالعجلة ، وكانت العجلة هي الإتيان بالشيء قبل أوانه الأليق به ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم مثاباً على ذلك أعظم الثواب لأنه لا حامل له عليه إلا حب الله وحب ما يأتي منه ، وجعلها الله سبحانه وتعالى علة وإن لم تكن مقصودة فقال : { لتعجل به } أي بحمله وأخذه قبل أن يفرغ{[70213]} من إلقائه إليك{[70214]} رسولنا جبريل عليه الصلاة والسلام مخافة أن ينفلت منك ، لأن هذه العجلة وإن كانت من الكمالات بالنسبة إليك وإلى إخوانك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال موسى عليه الصلاة والسلام :

{ وعجلت إليك رب لترضى }[ طه : 84 ] لأنها من النفس اللوامة التي تلوم على ترك المبادرة إلى أفعال الخير فغيرها من أفعال المطمئنة أكمل منها ، فنقل صلى الله عليه وسلم من مقام كامل إلى{[70215]} أكمل منه ، وكان هذا الكلام{[70216]} المتعلق بالقرآن والذي بعده فرقاناً بين صفتي اللوامة في الخير واللوامة في الشر ، والآية ناظرة{[70217]} إلى قوله تعالى في المدثر حكاية " إن هذا إلا قول البشر " وما بينهما اعتراض في وصف حال القيامة جر إليه قوله تعالى :

{ سأصليه سقر }[ المدثر : 26 ] أي أن الذي خيل به المتقول{[70218]} في القرآن أمران : أحدهما أنه سحر والآخر أنه قول البشر ، والعلم اليقين حاصل بانتفاء الأول ، وأما الثاني فكان النبي{[70219]} صلى الله عليه وسلم يخشى أن لا يتقن حفظه فتدخل عليه كلمة مثلاً فيكون من قول البشر فنهاه الله تعالى عن العجلة وضمن له الحفظ ،


[70191]:زيد من ظ و م.
[70192]:زيد في الأصل: في ميلاده، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70193]:زيد من ظ و م.
[70194]:في ظ و م: يرى صلى الله عليه وسلم.
[70195]:في ظ وم: يرى صلى الله عليه وسلم.
[70196]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[70197]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[70198]:زيد من ظ و م.
[70199]:من ظ و م، وفي الأصل: الحلاوة.
[70200]:ما بين الرقمين في ظ و م: مع رسوله صلى الله عليه وسلم.
[70201]:ما بين الرقمين في ظ و م: مع رسوله صلى الله عليه وسلم.
[70202]:من ظ و م، وفي الأصل: عنها.
[70203]:من ظ و م، وفي الأصل: بما.
[70204]:من ظ و م، وفي الأصل: يشغله.
[70205]:من ظ و م، وفي الأصل: رتبته.
[70206]:زيد في الأصل: بها، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70207]:من ظ و م، وفي الأصل: منه.
[70208]:في ظ و م: أن النبي.
[70209]:من ظ و م، وفي الأصل: حسب.
[70210]:من ظ و م، وفي الأصل: نزل.
[70211]:من ظ و م، وفي الأصل: نزل.
[70212]:من ظ و م، وفي الأصل: ليس.
[70213]:زيد في الأصل: الملك، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70214]:زيد في الأصل وهو، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70215]:زيد في الأصل: مقام، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70216]:من ظ و م، وفي الأصل: الكمال.
[70217]:من ظ و م، وفي الأصل: ظاهرة.
[70218]:من ظ و م، وفي الأصل: المتقوم.
[70219]:سقط من ظ و م.