المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

28- وصيَّرها - بإعلانها لهم - كلمة باقية في ذريته - هي كلمة التوحيد - لعلهم يرجعون إليها ، فيؤمنون بها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

{ وَجَعَلَهَا } أي : هذه الخصلة الحميدة ، التي هي أم الخصال وأساسها ، وهي إخلاص العبادة للّه وحده ، والتبرِّي من عبادة ما سواه .

{ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } أي : ذريته { لَعَلَّهُمْ } إليها { يَرْجِعُونَ } لشهرتها عنه ، وتوصيته لذريته ، وتوصية بعض بنيه -كإسحاق ويعقوب- لبعض ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } إلى آخر الآيات .

فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

26

قال إبراهيم هذه الكلمة التي تقوم بها الحياة . كلمة التوحيد التي يشهد بها الوجود . قالها :

( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ) . .

ولقد كان لإبراهيم - عليه السلام - أكبر قسط في إقرار هذه الكلمة في الأرض ، وإبلاغها إلى الأجيال من بعده ، عن طريق ذريته وعقبه . ولقد قام بها من بنيه رسل ، كان منهم ثلاثة من أولي العزم : موسى وعيسى ومحمد خاتم الرسل - عليهم صلوات الله وسلامه - واليوم بعد عشرات القرون يقوم في الأرض أكثر من ألف مليون ، من أتباع الديانات الكبرى يدينون بكلمة التوحيد لأبيهم إبراهيم ، الذي جعل هذه الكلمة باقية في

عقبه ، يضل منهم عنها من يضل ، ولكنها هي باقية لا تضيع ، ثابتة لا تتزعزع ، واضحة لا يتلبس بها الباطل ( لعلهم يرجعون ) . . يرجعون إلى الذي فطرهم فيعرفوه ويعبدوه . ويرجعون إلى الحق الواحد فيدركوه ويلزموه .

ولقد عرفت البشرية كلمة التوحيد قبل إبراهيم . ولكن هذه الكلمة لم تستقر في الأرض إلا من بعد إبراهيم . عرفتها على لسان نوح وهود وصالح وربما إدريس ، وغيره من الرسل الذين لم يتصل لهم عقب يقوم على هذه الكلمة ، ويعيش بها ، ولها . فلما عرفتها على لسان إبراهيم ظلت متصلة في أعقابه ؛ وقام عليها من بعده رسل متصلون لا ينقطعون ، حتى كان ابنه الأخير من نسل إسماعيل ، وأشبه أبنائه به : محمد [ صلى الله عليه وسلم ] خاتم الرسل ، وقائل كلمة التوحيد في صورتها الأخيرة الكاملة الشاملة ، التي تجعل الحياة كلها تدور حول هذه الكلمة ، وتجعل لها أثراً في كل نشاط للإنسان وكل تصور .

فهذه هي قصة التوحيد منذ أبيهم إبراهيم الذي ينتسبون إليه ؛ وهذه هي كلمة التوحيد التي جعلها إبراهيم باقية في عقبه . هذه هي تأتي إلى هذا الجيل على لسان واحد من عقب إبراهيم فكيف يستقبلها من ينتسبون إلى إبراهيم ، وملة إبراهيم ?

لقد بعد بهم العهد ؛ ومتعهم الله جيلاً بعد جيل ، حتى طال عليهم العمر ، ونسوا ملة إبراهيم ، وأصبحت كلمة التوحيد فيهم غريبة منكرة ، واستقبلوا صاحبها أسوأ استقبال وقاسوا الرسالة السماوية بالمقاييس الأرضية ، فاختل في أيديهم كل ميزان :