و ( أن ) فى قوله - تعالى - : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } مخففة من الثقيلة . واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة بدل من صحف موسى وإبراهيم .
وقوله { تَزِرُ } من الوزر بمعنى الحمل . . وقوله { وَازِرَةٌ } صفة لموصوف محذوف . أى : نفس وازرة .
والمعنى : إذا كان هذا الإنسان المتولى عن الحق . . . جاهلا بكل ما يجب العلم به من شئون الدين ، فهلا سأل العلماء عن صحف موسى وإبراهيم - عليهما السلام - ففيها أنه لا تحمل نفس آثمة حمل أخرى يوم القيامة .
قال الآلوسى : وقوله : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } أى : أنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل ، حمل نفس أخرى . . . ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره . ليتخلص الثانى من عقابه .
{ ألا تزر وازرة وزر أخرى } أن هي المخففة من الثقيلة وهي بما بعدها في محل الجر بدلا مما { في صحف موسى } ، أو الرفع على هو أن { لا تزر } كأنه قيل ما في صحفهما ؟ فأجاب به ، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يخالف ذلك قوله : { كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } وقوله عليه الصلاة والسلام ، " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره .
{ لا تزر وازرة وزر أخرى } وقال ابن عباس ايضاً والربيع : وفى طاعة الله في أمر ذبح ابنه . وقال الحسن وابن جبير وقتادة وغيره ، وفي تبليغ رسالته والظاهر في ذات ربه ، وقال عكرمة ، وفي هذه العشر الآيات ، { ألا تزر } وما بعدها ، وقال ابن عباس وقتادة وغيره { وفى } ما افترض عليه من الطاعات على وجهها وتكلمت له شعب الإيمان والإسلام فأعطاه الله براءته من النار . قال ابن عباس : وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهماً . وقال أبو أمامة ورفعه إلى النبي عليه السلام { وفى } أربع صلوات في كل يوم ، والأقوى من هذه الأقوال كلها القول العام لجميع الطاعات المستوفية لدين الإسلام ، فروي أنها لم تفرض على أحد مكملة فوفاها الأعلى وإبراهيم ومحمد عليهما السلام ومن الحجة لذلك قوله تعالى : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن }{[10720]} [ البقرة : 124 ] .
وقرأ ابن جبير وأبو مالك وابن السميفع : «وفى » مخففة الفاء ، والخلاف فيما وفى به كالخلاف فيما وفاه على القراءة الأولى التي فسرنا ، ورويت القراءة عن النبي عليه السلام ، وقرأها أبو أمامة{[10721]} .
والوزر : الثقل ، وأنث الوزارة إما لأنه أراد النفس وإما أراد المبالغة كعلامة ونسابة وما جرى مجراها و «أن » في قوله : { ألا تزر } مخففة من الثقيلة ، وتقديرها أنه لا تزر ، وحسن الحائل بينها وبين الفعل ان بقي الفعل مرتفعاً ، فهي كقوله : { علم أن سيكون منكم مرضى }{[10722]} [ المزمل : 20 ] ونحوه ، و «أن » في موضع رفع أو خفض ، كلاهما مرتب .
وقوله : { ألا تزر وازرة وزر أخرى } يجوز أن يكون بدلاً من ما في صحف موسى وإبراهيم بدلَ مفصَّل من مجمل ، فتكون { أنْ } مخففة من الثقيلة . والتقدير : أم لم ينبَّأ بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى .
ويجوز أن تكون { أَن } تفسيرية فَسَّرت ما في صحف موسى وإبراهيم لأن ما من الصحف شيء مكتوب والكتابة فيها معنى القَول دون حروفه فصلَح « ما في صحف موسى » لأن تفسره { أنْ }التفسيرية . وقد ذكر القرطبي عند تفسير قوله تعالى : { هذا نذير من النذر الأولى } [ النجم : 56 ] في هذه السورة عن السدّي عن أبي صالح قال : هذه الحروف التي ذَكر الله تعالى من قوله : { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم } إلى قوله : { هذا نذير من النذر الأولى } [ النجم : 56 ] كل هذه في صحف إبراهيم وموسى . و { تزر } مضارع وزر ، إذا فَعَل وِزرا .
وتأنيث { وازرة } بتأويل : نفس ، وكذلك تأنيث { أخرى } ، ووقوع « نفس » و { أخرى } في سياق النفي يفيد العموم فيشمل نفي ما زعمه الوليد بن المغيرة من تحمل الرجل عنه عذاب الله .
وهذا مما كان في صحف إبراهيم ، ومنه ما حكى الله في قوله : { ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } [ الشعراء : 87 89 ] .
وحكي في التوراة عن إبراهيم أنه قال في شأن قوم لوط : « أفتُهلك البارَّ مع الآثم » .
وأما نظيره في صحف موسى ففي التوراة{[399]} « لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يقتل » . وحكى الله عن موسى قوله : { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } [ الأعراف : 155 ] . وعموم لفظ { وزر } يقتضي اطراد الحكم في أمور الدنيا وأمور الآخرة .
وأما قوله في التوراة{[400]} أن الله قال : « أفتقد الأبناء بذنوب الآباء إلى الجيل الثالث » فذلك في ترتيب المسببات على الأسباب الدنيوية وهو تحذير .
وليس حَملُ المتسبب في وزر غيره حَمْلاً زائداً على وِزره من قبيل تحمُّل وزر الغير ، ولكنه من قبيل زيادة العقاب لأجل تضليل الغير ، قال تعالى : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } [ النحل : 25 ] . وفي الحديث : " ما من نفس تُقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأوللِ كِفل من دمها ، ذلك أنه أول مَن سنَّ القتل " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.