المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا} (52)

52- واستمر في دعوتك إلي الحق وتبليغ رسالة ربك ، وإن قاوموا دعوتك واعتدوا على المؤمنين فحاربهم وجاهد في ذلك جهاداً عظيماً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا} (52)

{ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } في ترك شيء مما أرسلت به بل ابذل جهدك في تبليغ ما أرسلت به . { وَجَاهِدْهُمْ } بالقرآن { جِهَادًا كَبِيرًا } أي : لا تبق من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل إلا بذلته ولو رأيت منهم من التكذيب والجراءة ما رأيت فابذل جهدك واستفرغ وسعك ، ولا تيأس من هدايتهم ولا تترك إبلاغهم لأهوائهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا} (52)

ثم ذكر - سبحانه - ما يدل على رفعة منزلة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } . أى : ولو شئنا لبعثنا فى زمنك - أيها الرسول الكريم - فى كل قرية من القرى نذيرا ينذر أهلها بسوء عاقبة الكفر والجحود ، ويكون عونا لك على تحمل أعباء الرسالة التى أرسلناك بها . . . ولكنَّا لم نشأ ذلك تكريما لك وتعظيما لقدرك ، حيث خصصناك بعموم الرسالة لجميع الناس . وما دام الأمر كذلك " فلا تطع الكافرين " فيما يريدونه منك من أمور باطلة فاسدة " وجاهدهم به " أى : بهذا القرآن ، عن طريق قراءته والعمل بما فيه ، وبيان ما اشتمل عليه من دلائل وبراهين على صحة دعوتك .

وقوله - تعالى - : { جِهَاداً كَبيراً } مؤكد لما قبله . أى : جاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا مصحوبا بالإغلاظ عليهم تارة ، وبإبطال شبهاتهم وأراجيفهم تارة أخرى .

قال - تعالى - : { ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا} (52)

45

وأعطاه القرآن ليجاهدهم به :

( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ) . .

وإن في هذا القرآن من القوة والسلطان ، والتأثير العميق ، والجاذبية التي لا تقاوم ، ما كان يهز قلوبهم هزا ، ويزلزل أرواحهم زلزالا شديدا ، فيغالبون أثره بكل وسيلة فلا يستطيعون إلى ذلك سبيلا .

ولقد كان كبراء قريش يقولون للجماهير : ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) . . وكانت هذه المقالة تدل على الذعر الذي تضطرب به نفوسهم ونفوس أتباعهم من تأثير هذا القرآن ؛ وهم يرون هؤلاء الأتباع كأنما يسحرون بين عشية وضحاها من تأثير الآية والآيتين ، والسورة والسورتين ، يتلوهما محمد ابن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم ] فتنقاد إليه النفوس ، وتهوى إليه الأفئدة .

ولم يقل رؤساء قريش لأتباعهم وأشياعهم هذه المقالة ، وهم في نجوة من تأثير هذا القرآن . فلولا أنهم أحسوا في أعماقهم هزة روعتهم ما أمروا هذا الأمر ، وما أشاعوا في قومهم بهذا التحذير ، الذي هو أدل من كل قول على عمق التأثير !

قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث : أن أبا سفيان بن حرب ، وأبا جهل بن هشام ، والأخنس بن شريق بن عمر بن وهب الثقفي حليف بني زهرة . . خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يصلي من الليل في بيبته . فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه ، وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ! ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ! ثم انصرفوا . . حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود ! فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا .

" فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه . ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد . فقال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ؛ وسمعت أشياء ما عرفت معناها ، ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به .

" قال : ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته ، فقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ? فقال : ماذا سمعت ? ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف . أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء . فمتى ندرك مثل هذه ? والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه ! !

" قال : فقام عنه الأخنس وتركه " .

فهكذا كانوا يغالبون أنفسهم أن تهفو إلى هذا القرآن فتغلبهم ، لولا أن يتعاهدوا وهم يحسون ما يتهدد زعامتهم ، لو اطلع عليهم الناس ، وهم مأخوذون شبه مسحورين !

وإن في القرآن من الحق الفطري البسيط ، لما يصل القلب مباشرة بالنبع الأصيل ، فيصعب أن يقف لهذا النبع الفوار ، وأن يصد عنه تدفق التيار . وأن فيه من مشاهد القيامة ، ومن القصص ، ومن مشاهد الكون الناطقة ، ومن مصارع الغابرين ، ومن قوة التشخيص والتمثيل ، لما يهز القلوب هزا لا تملك معه قرارا .

وإن السورة الواحدة لتهز الكيان الإنساني في بعض الأحيان ، وتأخذ على النفس أقطارها ما لا يأخذه جيش ذو عدة وعتاد ! !

فلا عجب مع ذلك أن يأمر الله نبيه أن لا يطيع الكافرين ، وألا يتزحزح عن دعوته وأن يجاهدهم بهذا القرآن . فإنما يجاهدهم بقوة لا يقف لها كيان البشر ، ولا يثبت لها جدال أو محال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا} (52)

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا} (52)

تفريع { فلا تطع الكافرين } على جملة { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } لأنها تتضمن أنه مرسل إلى المشركين من أهل مكة وهم يطلبون منه الكف عن دعوتهم وعن تنقُّص أصنامهم .

والنهي مستعمل في التحذير والتذكير ، وفعل { تطع } في سياق النهي يفيد عموم التحذير من أدنى طاعة .

والطاعة : عمل المرء بما يُطلب منه ، أي فلا تَهِن في الدعوة رعياً لرغبتهم أن تلين لهم .

وبعد أن حذره من الوهن في الدعوة أمره بالحرص والمبالغة فيها . وعبر عن ذلك بالجهاد وهو الاسم الجامع لمنتهى الطاقة . وصيغة المفاعلة فيه ليفيد مقابلة مجهودهم بمجهوده فلا يهن ولا يضعف ولذلك وصف بالجهاد الكبير ، أي الجامع لكل مجاهدة .

وضمير { به } عائد إلى غير مذكور : فإما أن يعود إلى القرآن لأنه مفهوم من مقام النِّذارة ، وإما أن يعود إلى المفهوم من « لا تطع » وهو الثبات على دعوَته بأن يعصيهم ، فإن النهي عن الشيء أمرٌ بضده كما دل عليه قول أبي حيّة النميري :

فقُلن لها سِرّاً فدينَاكِ لا يرحْ *** صحيحاً وإنْ لم تقتلِيه فألمم

فقابل قوله : « لا يرح صحيحاً » بقوله : « وإن لم تقتليه فألمم » كأنه قال : فديناك فاقتليه .

والمعنى : قاومهم بصبرك . وكِبر الجهاد تكريره والعزم فيه وشدّة ما يلقاه في ذلك من المشقة . وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عند قفوله من بعض غزواته " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " قالوا : « وما الجهاد الأكبر » ؟ قال : " مُجاهدة العبد هَواه " رواه البيهقي بسند ضعيف .