فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا} (52)

{ فَلاَ تُطِعِ الكافرين } فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم ، بل اجتهد في الدعوة ، واثبت فيها ، والضمير في قوله : { وجاهدهم بِهِ جِهَاداً كَبيراً } راجع إلى القرآن : أي جاهدهم بالقرآن ، واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجر والأوامر والنواهي .

وقيل : الضمير يرجع إلى الإسلام ، وقيل بالسيف ، والأوّل أولى . وهذه السورة مكية ، والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة . وقيل : الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله : { فَلاَ تُطِعِ الكافرين } . وقيل الضمير يرجع إلى ما دل عليه قوله : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } ؛ لأنه سبحانه لو بعث في كل قرية نذيراً لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة القرية التي أرسل إليها ، وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا جرم اجتمع عليه كل المجاهدات ، فكبر جهاده وعظم ، وصار جامعاً لكل مجاهدة ، ولا يخفى ما في هذين الوجهين من البعد .

/خ54