فلله درهم ما أصلبهم في باطلهم ، وأشدهم فيه ، حيث أتوا بكل سبب ، ووسيلة وممكن ، ومكيدة يكيدون بها الحق ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويظهر الحق على الباطل ، . فلما تمت مكيدتهم ، وانحصر مقصدهم ، ولم يبق إلا العمل { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ } عصاك { وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } خيروه ، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي : حالة كانت .
وحانت ساعة المبارزة والمنازلة . فتقدم السحرة نحو موسى - عليه السلام - وقالوا له - كما حكى القرآن عنهم - : { . . . يا موسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى } .
والإلقاء فى الأصل : طرح الشىء ، ومفعول " تلقى " محذوف للعلم به ، والمراد به العصا .
أى ؛ قال السحرة لموسى على سبيل التخيير الذى يبدو فيه التحدى والتلويح بالقوة : يا موسى إما أن تلقى أنت عصاك قبلنا ، وإما أن تتركنا لنلقى حبالنا وعصينا قبلك
قال الآلوسى : خيروه - عليه السلام - وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم . وقيل . مراعاة للأدب معه - عليه السلام - . و " أن " مع ما فى حيزها منصوب بفعل مضمر . أى ، إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى . أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف .
يقول تعالى مخبرًا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى ، عليه السلام ، أنهم قالوا لموسى : { إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ } أي : أنت أولا { إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا } أي : أنتم أولا ليُرى ماذا تصنعون من السحر ، وليظهر للناس جلية أمرهم ، { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } . وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا { وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } [ الشعراء : 44 ] وقال تعالى : { سَحَرُوا{[19417]} أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 116 ] ، وقال هاهنا { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } .
وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد ، بحيث يخيل للناظر{[19418]} أنها تسعى باختيارها ، وإنما كانت حيلة ، وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كبيرًا{[19419]} فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا .
خير السحرة موسى عليه السلام في أن يبتدئ بالإلقاء أو يتأخر بعدهم ، وروي أنهم كانوا سبعين ألف ساحر ، وروي أنهم كانوا ثلاثين ألف ساحر ، وروي أنهم كانوا خمسة عشر ألفا ، وروي أنهم كانوا تسعمائة ، ثلاثمائة من الفيوم وثلاثمائة من الفرما وثلاثمائة من الإسكندرية وكان مع كل رجل منهم حبل وعصى قد استعمل فيها السحر .
تقدمت هذه القصة ومعانيها في سورة الأعراف سوى أن الأوليّة هنا مصرّح بها في أحد الشقّين . فكانت صريحة في أن التخيير يتسلط على الأولية في الإلقاء ، وسوى أنه صرّح هنا بأن السحر الذي ألقوْهُ كان بتخييل أن حبالهم وعصيّهم ثعابين تسعى لأنها لا يشبهها في شكلها من أنواع الحيوان سوى الحيات والثعابين .
والمفاجأة المستفادة من ( إذا ) دلّت على أنهم أعدّوها للإلقاء وكانوا يخشون أن يمرّ زمان تزول به خاصياتها فلذلك أسرعوا بإلقائها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.