وقوله - سبحانه - : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } جواب الشرط ، و " أخبارها " مفعول ثان لقوله : { تُحَدِّثُ } والمفعول الأول محذوف . أى : إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها . وقال الإِنسان ماذا حدث لها ، عندئذ تحدِّثُ الأرضُ الخلائقَ أخبارَها ، بأن تشهد للطائع بأنه كان كذلك ، وتشهد الفاسق بأنه كان كذلك .
أخرج الإِمام أحمد والترمذى والنسائى عن أبى هريرة قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ثم قال : " أتدرون ما أخبارها " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عُمِل على ظهرها ، بأن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا . فهذه أخبارها . " .
والظاهر أن هذا التحديث من الأرض على سبيل الحقيقة ، بأن يخلق الله - تعالى - فيها حياة وإدراكا ، فتشهد بما عمل عليها من عمل صالح أو طالح ، كما تشهد على من فعل ذلك .
وقيل : هذا مثل ضربه الله - تعالى - والمقصود منه أن كل إنسان فى هذا اليوم سيتبين جزاء عمله ، وما أعده الله - تعالى - له على ما قدم فى حياته الأولى ، ونظير ذلك أن تقول : إن هذه الدار لتحدثنا بأنها كانت مسكونة .
قال بعض العلماء ما ملخصه : قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } يومئذ بدل من إذا . أي : فى ذلك الوقت تحدثك الأرض أحاديثها ، وتحديث الأرض تمثيل - كما قال الطبري وغيره - أي : إن حالها وما يقع فيها من الانقلاب ، وما لم يعهد من الخراب ، يعلم السائل ويفهمه الخبر ، وأن ما يراه لم يكن بسبب من الأسباب التى وضعها السنة الإِلهية ، حال استقرار نظام الكون ، بل ذلك بسبب { بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا }
وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي : تحدث بما عمل العاملون على ظهرها .
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك - وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ، واللفظ له : حدثنا سُوَيد بن نصر ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقْبُرِي ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عَمِل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها " {[30386]} .
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .
وفي معجم الطبراني من حديث ابن لَهِيعة : حدثني الحارث بن يزيد - سمع ربيعة الجُرَشي - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرًا أو شرًّا ، إلا وهي مُخبرة " {[30387]} .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : «ليس الخبر كالمعاينة{[11935]} » و «أخبار الأرض » قال ابن مسعود والثوري والثوري وغيره : هو شهادتهما بما عمل عليها من عمل صالح أو فاسد ، فالحديث على هذا حقيقة ، والكلام بإدراك وحياة يخلقها الله تعالى ، وأضاف الأخبار إليها من حيث وعتها وحصلتها ، وانتزع بعض العلماء من قوله تعالى : { تحدث أخبارها } أن قول المحدث : حدثنا وأخبرنا سواء ، وقال الطبري وقوم : التحديث في الآية مجاز ، والمعنى أن تفعله بأمر الله من إخراج أثقالها وتفتت أجزائها وسائر أحوالها هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها ، ويؤيد القول الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء ، إلا شهد له يوم القيامة{[11936]} » ، وقرأ عبد الله بن مسعود : «تنبىء أخبارها » ، وقرأ سعيد بن جبير : «تبين » .
وجملة : { يومئذ تحدث أخبارها } الخ جواب { إذا } باعتبار ما أبدل منها من قوله : { يومئذ يصدر الناس } فيومئذ بدل من { يومئذ تحدث أخبارها } .
واليوم يطلق على النهار مع ليلهِ فيكون الزلزال نهاراً وتتبَعه حوادث في الليل مع انكدار النجوم وانتثارها وقد يراد باليوم مطلق الزمان .
و{ تحدث أخبارها } هو العامل في { يومئذ } وفي البدل ، والتقدير يوم إذْ تزلْزلُ الأرض وتُخرج أثقالها ويقول الناس : ما لَهَا تحدّث أخبارها الخ .
و{ أخبارها } مفعول ثاننٍ لفعل { تحدث } لأنه مما ألحق بظن لإِفادة الخَبَر عِلماً ، وحذف مفعوله الأول لظهوره ، أي تحدث الإِنسان لأن الغرض من الكلام هو إخبارها لما فيه من التهويل .
وضمير { تحدث } عائد إلى { الأرض } .
والتحديث حقيقته : أن يصدر كلام بخبر عن حَدث . وورد في حديث الترمذي عن أبي هريرة قال : « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يومئذ تحدث أخبارها } قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول : عَمل كذا وكذا فهذه أخبارها » اه .
وجُمع { أخبارها } باعتبار تعدد دلالتها على عدد القائلين { ما لها } وإنما هو خبر واحد وهو المبيَّن بقوله : { بأن ربك أوحى لها } .
وانتصب { أخبارها } على نزع الخافض وهو باء تعدية فعل { تحدث } .