المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

68- أَجَهِلَ هؤلاء المعرضون فلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه حق ؟ أم كانت دعوة محمد لهم غريبة عن الدعوات التي جاء بها الرسل إلي الأقوام السابقين الذين أدركهم آباؤهم ؟ .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل ، لا جرم حقت عليهم العقوبة ، ولما وقعوا فيها ، لم يكن لهم ناصر ينصرهم ، ولا مغيث ينقذهم ، ويوبخون عند ذلك بهذه الأعمال الساقطة { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } أي : أفلا يتفكرن في القرآن ويتأملونه ويتدبرونه ، أي : فإنهم لو تدبروه ، لأوجب لهم الإيمان ، ولمنعهم من الكفر ، ولكن المصيبة التي أصابتهم بسبب إعراضهم عنه ، ودل هذا على أن تدبر القرآن ، يدعو إلى كل خير ، ويعصم من كل شر ، والذي منعهم من تدبره أن على قلوبهم أقفالها .

{ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } أي : أو منعهم من الإيمان ، أنه جاءهم رسول وكتاب ، ما جاء آبائهم الأولين ، فرضوا بسلوك طريق آبائهم الضالين ، وعارضوا كل ما خالف ذلك ، ولهذا قالوا ، هم ومن أشبههم من الكفار ، ما أخبر الله عنهم : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } فأجابهم بقوله : { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } فهل تتبعون إن كان قصدكم الحق ، فأجابوا بحقيقة أمرهم { قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

ثم تنتقل السورة الكريمة من تأنيبهم وتيئيسهم من الاستجابة لجؤارهم ، إلى سؤالهم بأسلوب توبيخى عن الأسباب التى أدت بهم إلى الإعراض عما جاءهم به رسولهم صلى الله عليه وسلم فتقول : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ . . . } .

قال الجمل : قوله - تعالى - : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول . . . } شروع فى بيان أسباب حاملة لهم على ما سبق من قوله - تعالى - : { فَكُنتُمْ على أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُون . . . } إلخ .

والهمزة لإنكار ما هم فيه من عدم التدبر واستقباحه ، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام : والمراد بالقول : القرآن الكريم وما اشتمل عليه من هدايات .

والمعنى : أفعلوا ما فعلوا من النكوص على الأعقاب ، ومن الغرور ومن الهذيان بالباطل من القول ، فلم يتدبروا هذا القرآن ، ولم يتفكروا فيما اشتمل عليه من توجيهات حكيمة . . .

إنهم لو تدبروه لوجدوا فيه من العظات والآداب والأحكام ، والقصص ، والعقائد ، والتشريعات . . . . ما يسعدهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم .

فالجملة الكريمة تحضهم على تدبر هذا القرآن ، لأنهم إن تدبروه تدبرا صادقاً . لعلموا أنه الحق الذى لا يحوم حوله باطل .

وشبيه بهذه الجملة قوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } وقوله - سبحانه - : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } وبعد أن وبخهم - سبحانه - على تركهم الانتفاع بالقرآن . أتبع ذلك بتقريعهم على أن ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم يتفق فى أصوله مع ما جاء به الرسل السابقون لآبائهم الأولين .

أى : أكذبوا رسولهم لأنه جاءهم بما لم يأت به الرسل لآبائهم ؟ كلا ، فإن ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم يطابق - فى جوهره - ما جاء به إبراهيم وإسماعيل وغيرهما ، من آبائهم الأولين .

قال - تعالى - { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ . . } وقال - سبحانه - : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ . . . } ويجوز أن يكون المعنى : أكذب هؤلاء الجاهلون رسولهم صلى الله عليه وسلم لأنهم فى أمان من العذاب ، وهذا الأمان لم يكن فيه آباؤهم الأولون ؟

كلا ، وإن من شأن العقلاء أنهم لا يأمنون مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .

قال الآلوسى : وأم فى قوله - تعالى - { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأولين } منقطعة ، وما فيها من معنى بل ، للإضراب والانتقال من التوبيخ بما ذكر إلى التوبيخ بآخر . والهمزة فإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع . أى : بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين ، حتى استبعدوه فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال ، بمعنى أن مجىء الكتب من جهته - تعالى - إلى الرسل قديمة له - تعالى - وأن مجىء القرآن جار على هذه السنة فلماذا ينكرونه ؟

وقيل المعنى : أفلم يدبروا القرآن ليخافوا عند تدبر آياته ، ما نزل بمن قبلهم من المكذبين ، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم الأولين ، حين خافوا الله - تعالى - فآمنوا به وبكتبه ورسله ، فالمراد بآبائهم : " المؤمنون " منهم كإسماعيل - عليه السلام - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

53

وينتقل بهم من مشهد التأنيب في الآخرة ، فيعود بهم إلى الدنيا من جديد ! يعود بهم ليسأل ويعجب من موقفهم ذاك الغريب . . ما الذي يصدهم عن الإيمان بما جاءهم به رسولهم الأمين ? ما الشبهات التي تحيك في صدورهم فتصدهم عن الهدى ? ما حجتهم في الإعراض عنه ، والسمر في مجالسهم بقالة السوء فيه ? وهو الحق الخالص والطريق المستقيم :

( أفلم يدبروا القول ? أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ? أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ? أم يقولون به جنة ? بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ! ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن . بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون . أم تسألهم خرجا ? فخراج ربك خير وهو خير الرازقين . وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم . وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ) . .

إن مثل ما جاء به محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لا يملك من يتدبره أن يظل معرضا عنه ، ففيه من الجمال ، وفيه من الكمال ، وفيه من التناسق ، وفيه من الجاذبية ، وفيه من موافقة الفطرة ، وفيه من الإيحاءات الوجدانية ، وفيه من غذاء القلب ، وفيه من زاد الفكر ، وفيه من عظمة الاتجاهات ، وفيه من قويم المناهج ، وفيه من محكم التشريع . . وفيه من كل شيء ما يستجيش كل عناصر الفطرة ويغذيها ويلبيها ( أفلم يدبروا القول )إذن ? فهذا سر إعراضهم عنه لأنهم لم يتدبروه . .

( أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ? ) . . فكان بدعا في مألوفهم ومألوف آبائهم أن يجيئهم رسول ! أو أن يجيئهم بكلمة التوحيد ! وذلك تاريخ الرسالات كلها يثبت أن الرسل جاءوا قومهم تترى ، وكلهم جاء بالكلمة الواحدة التي يدعوهم إليها هذا الرسول !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

{ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( 75 ) } .

يقول تعالى منكرًا على المشركين في عدم تفهمهم للقرآن العظيم ، وتدبرهم له وإعراضهم عنه ، مع أنهم قد خصوا بهذا الكتاب الذي لم ينزل الله على رسول أكمل منه ولا أشرف ، لا سيما وآباؤهم الذين ماتوا في الجاهلية ، حيث لم يبلغهم كتاب ولا أتاهم نذير ، فكان اللائق بهؤلاء أن يقابلوا النعمة التي أسداها الله إليهم بقبولها ، والقيام بشكرها وتفهمها ، والعمل بمقتضاها آناء الليل وأطراف النهار ، كما فعله النجباء منهم ممن أسلم واتبع الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، ورضي عنهم .

وقال قتادة : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } إذًا والله يجدون{[20600]} في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه ، ولكنهم أخذوا بما تشابه ، فهلكوا عند ذلك .


[20600]:- في ف ، أ : "تجدون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَدّبّرُواْ الْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأوّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِالْحَقّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كَارِهُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أفلم يتدبر هؤلاء المشركون تنزيل الله وكلامه ، فيعلموا ما فيه من العبر ، ويعرفوا حجج الله التي احتجّ بها عليه فيه ؟ أمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأتِ آباءَهُمُ الأَوّلِينَ ؟ يقول : أم جاءهم أمر ما لم يأت من قبلهم من أسلافهم ، فاستكبروا ذلك وأعرضوا ، فقد جاءت الرسل من قبلهم ، وأنزلت معهم الكتب . وقد يحتمل أن تكون «أم » في هذا الموضع بمعنى : «بل » ، فيكون تأويل الكلام : أفلم يدبّروا القول ؟ بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين ، فتركوا لذلك التدبر وأعرضوا عنه ، إذ لم يكن فيمن سلف من آباءهم ذلك . وقد ذُكر عن ابن عباس في نحو هذا القول ، ما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : أفَلَمْ يَدّبّرُوا القَوْلَ أمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الأَوّلِينَ قال : لعمري لقد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين ، ولكن أو لم يأتهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

ثم وبخهم على إعراضهم بعد تدبر القول لأنهم بعد التدبر والنظر الفاسد ، قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وسائر ذلك ، وقوله { أم جاءهم } كذلك توبيخ أيضاً والمعنى أأبدع لهم أمر لم يكن في الناس قبلهم بل قد جاء الرسل قبل كنوح وإبراهيم وإسماعيل وفي هذا التأويل من التجوز أن جعل سالف الأمم «آباء » إذ الناس في الجملة آخرهم من أولهم ، ويحتمل اللفظ معنى آخر على أن يراد ب { آباءهم الأولين } من فرط من سلفهم في العرب فكأنه قال : أفلم يدبروا القول أم جاءهم أمر غريب من عند الله لم يأت { آباءهم } فبهر عقولهم ونبت أذهانهم عن أمر من أمور الله غريب في سلفهم والمعنى الأول أبين .