ثم ذكر الدليل العقلي على البعث ، فقال : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ } أي : نحن الذين أوجدناكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، من غير عجز ولا تعب ، أفليس القادر على ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ بلى إنه على كل شيء قدير ، ولهذا وبخهم على عدم تصديقهم بالبعث ، وهم يشاهدون ما هو أعظم منه وأبلغ .
قوله - تعالى - : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } رد على إنكار المشركين للبعث والجزاء ، ولولا هنا للتحضيض ، والفاء لترتيب التحضيض على ما قبله .
أى : نحن الذين خلقناكم - أيها الجاحدون - هذا الخلق الأول بقدرتنا وحدها ، فهلا صدقتم بذلك ، وأطعتم رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فيما جاءكم به من عندنا ، وأيقنتم بأن الأولين والآخرين سيقفون أمامنا يوم القيامة للحساب ؟
فالمراد بقوله - تعالى - : { خَلَقْنَاكُمْ } : خلقهم من سلاله من طين ، ثم جعلهم نطفة فى قرار مكين كما قال - تعالى - : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } فإن قيل : إنهم كانوا يعترفون بأن الله - تعالى - قد خلقهم ، بدليل قوله - تعالى - : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله . . . } فما فائدة قوله - سبحانه - { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ . . } ؟
فالجواب أنهم لما كان اعترافهم بمنزلة العدم ، حيث أشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة قيل لهم على سبيل الإلزام والتبكيت : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ . . }
( نحن خلقناكم فلولا تصدقون ! أفرأيتم ما تمنون ? أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ? نحن قدرنا بينكم الموت ، وما نحن بمسبوقين . على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون . ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ! . . )
إن هذا الأمر أمر النشأة الأولى ونهايتها . أمر الخلق وأمر الموت . إنه أمر منظور ومألوف وواقع في حياة الناس . فكيف لا يصدقون أن الله خلقهم ? إن ضغط هذه الحقيقة على الفطرة أضخم وأثقل من أن يقف له الكيان البشري أو يجادل فيه : ( نحن خلقناكم فلولا تصدقون ! ) . .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{نحن خلقناكم} ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ف {فلولا} يعني فهلا {تصدقون} بالبعث...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدّقونَ" يقول تعالى ذكره لكفار قريش والمكذّبين بالبعث: نحن خلقناكم أيها الناس ولم تكونوا شيئا، فأوجدناكم بشرا، فهلا تصدّقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم: إنه يبعثكم بعد مماتكم وبِلاكم في قبوركم، كهيأتكم قبل مماتكم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{نحن خلقناكم فلولا تصدقون} هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: يقول لما صدقتموني ورسلي بأنا خلقناكم في الابتداء، فهلا صدقتمونا ورسلنا بأنا نعيدكم تارة أخرى؟ إذ الأعجوبة في ابتداء الأشياء أكثر منها في الإعادة، وهو ما قال: {وهو أهون عليه} [الروم: 27].
والثاني: إنكم صدّقتموه ورسله أنه أنشأكم في بطون أمهاتكم في الظلمات الثلاث، ونقلكم من حال إلى حال، لا يحتمل أن يترككم سدى بلا عاقبة، فيكون فيه إثبات البعث؛ إذ لولا ذلك لكان خلقهم وتحويلهم من حال إلى حال عبثا كما قال تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون: 115] والله أعلم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر تعالى أنه الخالق، وحضض على التصديق على وجه التقريع...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{فلولا تصدقون} أي بالخلق وهم وإن كانوا مقرين به لقوله {لئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} إلا أنه نزل منزلة العدم والإنكار لأنه إذا لم يقترن بالطاعة، والأعمال الصالحة، لا يعد تصديقا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن هذا الأمر أمر النشأة الأولى ونهايتها. أمر الخلق وأمر الموت. إنه أمر منظور ومألوف وواقع في حياة الناس. فكيف لا يصدقون أن الله خلقهم؟ إن ضغط هذه الحقيقة على الفطرة أضخم وأثقل من أن يقف له الكيان البشري أو يجادل فيه: (نحن خلقناكم فلولا تصدقون!)..
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بما أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن تكذيب الضالّين ليوم المعاد، فإنّ الآيات اللاحقة استعرضت سبعة أدلّة على هذه المسألة المهمّة، كي يتركّز الإيمان وتطمئن القلوب بالوعود الإلهيّة التي وردت في الآيات السابقة حول «المقرّبين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال»، وأساساً فانّ أبحاث هذه السورة تتركّز على بحث المعاد بشكل عامّ. يقول سبحانه في المرحلة الأولى: (نحن خلقناكم فلولا تصدّقون)... هذه الاستدلالات في الحقيقة شبيهة بما جاء في قوله تعالى: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكلّ خلق عليم).
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.