التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{نَحۡنُ خَلَقۡنَٰكُمۡ فَلَوۡلَا تُصَدِّقُونَ} (57)

أعقب إبطال نفيهم البعث بالاستدلال على إمكانه وتقريب كيفية الإعادة التي أحالوها فاستدل على إمكان إعادة الخلق بأن الله خلقهم أول مرة فلا يبعد أن يعيد خلقهم ، قال تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده } [ الأنبياء : 104 ] لأنهم لم يكونوا ينكرون ذلك ، وليس المقصود إثبات أن الله خلقهم .

وهذا الكلام يجوز أن يكون من تمام ما أمر بأن يقوله لهم ، ويجوز أن يكون استئنافاً مستقلاً . والخطاب على كلا الوجهين موجّه للسامعين فليس في ضمير { خلقناكم } التفات .

وتقدم المسند إليه على المسند الفعلي لإِفادة تقوّي الحكم ردّاً على إحالتهم أن يكون الله قادراً على إعادة خلقهم بعد فناء معظم أجسادهم حين يكونون تراباً وعظاماً ، فهذا تذكير لهم بما ذهلوا عنه بأن الله هو خلقهم أول مرة وهو الذي يعيد خلقهم ثاني مرة ، فإنهم وإن كانوا يعلمون أن الله خلقهم لمّا لم يجروا على موجَب ذلك العلم بإحالتهم إعادة الخلق نُزلوا منزلة من يشك في أن الله خلقهم ، فالمقصود بتقوّي الحكم الإِفضاء إلى ما سيفرع عنه من قوله : { أفرأيتم ما تمنون إلى قوله : { وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم } [ الواقعة : 58 61 ] . ونظير هذه الآية في نسج نظمها والترتيب عليها قوله تعالى : { نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً } في سورة الإنسان ( 28 ) .

وموقعها استدلال وعلة لمضمون جملة { إن الأولين والأخرين لمجموعون } [ الواقعة : 49 ، 50 ] ولذلك لم تعطف .

وفُرع على هذا التذكير تحضيضهم على التصديق ، أي بالخلق الثاني وهو البعث فإن ذلك هو الذي لم يصدقوا به .