لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{نَحۡنُ خَلَقۡنَٰكُمۡ فَلَوۡلَا تُصَدِّقُونَ} (57)

قوله جلّ ذكره : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } .

نحن خلقناكم : يا أهلَ مكة - فهلاَّ آمَنْتُم لتتخلصوا ؟ توبَّخون وتُعَاتَبون . . واليومَ تَعْتَذِرون ! ولكن لا ينفعكم ذلك ولا يُسْمَعُ منكم شيء .

وإن أشدّ العقوبات عليهم يومئذٍ أنهم لا يتفرَّغون من آلامِ نفوسِهم وأوجاعِ أعضائهم إلى التَحسُّر على ما فاتهم في حقِّ الله .

ويقال : أشدُّ البلاء - اليوم - على قلوب هذه الطائفة خوفُهم من أَنْ يَشْغَلَهم - غداً - بمقاساة آلامهم عن التحسُّر على ما تكدَّرَ عليهم من المشارب في هذا الطريق . وهذه محنة لا شيءَ أعظمُ على الأصحاب منها . وإنَّ أصحابَ القلوب - اليوم - يبتهلون إليه ويقولون : إنْ حَرَمْتَنا مشاهدَ الأُنْس فلا تَشْغَلْنا بلذَّاتٍ تشغلنا عن التحسُّر على ما فاتنا ، ولا بآلامٍ تشغلنا عن التأسُّف على ما عَدِمْنا منك .