القول في تأويل قوله تعالى : { يَقُولُ يَلَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لاّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَأَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ * ارْجِعِي إِلَىَ رَبّكِ رَاضِيَةً مّرْضِيّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنّتِي } .
وقوله : يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحيَاتِي يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهّف ابن آدم يوم القيامة ، وتندّمه على تفريطه في الصّالِحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد ، في نعيم لا انقطاع له : يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه ، التي لا موت بعدها ، ما ينجيني من غضب الله ، ويوجب لي رضوانه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هَوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإنْسانُ وأنّى لَهُ الذّكْرَى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتِي قال : علم الله أنه صادق ، هناك حياة طويلة لا موت فيها آخر ما عليه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتِي : هُناكُم والله الحياة الطويلة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتِي قال : الاَخرة .
ثم ذكر عنه أنه يقول : { يا ليتني قدمت لحياتي } ، واختلف في معنى قوله : { لحياتي } فقال جمهور المتأولين معناه : { لحياتي } الباقية يريد في الآخرة ، وقال قوم من المتأولين : المعنى { لحياتي } في قبري عند بعثي الذي كنت أكذب به وأعتقد أني لن أعود حياً ، وقال آخرون : { لحياتي } هنا مجاز ، أي { ليتني قدمت } عملاً صالحاً لأنعم به اليوم وأحيا حياة طيبة ، فهذا كما يقول الإنسان أحييني في هذا الأمر ، وقال بعض المتأولين لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا ، وهذا كما تقول جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا ونحوه .
وجملة : { يقول يا ليتني } الخ يجوز أن يكون قولاً باللسان تحسراً وتندماً فتكون الجملة حالاً من { الإنسان } أو بدل اشتمال من جملة { يتذكر } فإن تذكره مشتمل على تحسر وندامة . ويجوز أن يكون قوله في نفسه فتكون الجملة بياناً لجملة { يتذكر } .
ومفعول { قدمت } محذوف للإِيجاز .
واللام في قوله : { لحياتي } تحتمل معنى التوقيت ، أي قدمت عند أزمان حياتي فيكون المراد الحياة الأولى التي قبل الموت . وتحتمل أن يكون اللام للعلة ، أي قدمت الأعمال الصالحة لأجل أن أحيا في هذه الدار . والمراد : الحياة الكاملة السالمة من العذاب لأن حياتهم في العذاب حياةُ غشاوة وغياب قال تعالى : { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } [ الأعلى : 13 ] .
وحرف النداء في قوله : { يا ليتني } للتنبيه اهتماماً بهذا التمني في يوم وقوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.