المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

14- فإن عجزتم ، وعجز من استعنتم بهم فأتوا بمثله ولو مُفْترىً ، فاعلموا أن هذا القرآن ما أنزل إلا مقترناً بعلم الله ، فلا يعلم علمه أحد ، واعْلموا أنه لا إله إلا الله فلا يعمل عمله أحد . فأسلموا بعد قيام هذه الحُجة عليكم ، إن كنتم طالبين للحق .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِلّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُوَاْ أَنّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاّ إِلََهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مّسْلِمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : فإن لم يستجب لكم من تدعون من دون الله إلى أن يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات ، ولم تطيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك ، فاعلموا وأيقنوا أنه إنما أُنزل من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم بعلم الله وإذنه ، وأن محمدا لم يفتره ، ولا يقدر أن يفتريه ، وأن لا إلهَ إلاّ هُوَ يقول : وأيقنوا أيضا أن لا معبود يستحقّ الألوهة على الخلق إلا الله الذي له الخلق والأمر ، فاخلعوا الأنداد والاَلهة وأفردوا له العبادة .

وقد قيل : إن قوله : فإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ خطاب من الله لنبيه ، كأنه قال : فإن لم يستجب لك هؤلاء الكفار يا محمد ، فاعلموا أيها المشركون أنما أنزل بعلم الله . وذلك تأويل بعيد من المفهوم .

وقوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ يقول : فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة ، ومخلصون له العبادة بعد ثبوت الحجة عليكم ؟ وكان مجاهد يقول : عني بهذا القول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال : لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وأنْ لا إلَهَ إلاّ هُوَ فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال : لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقيل : فإنْ لَمْ يَسْتَجُيبُوا لَكُمْ والخطاب في أوّل الكلام قد جرى لواحد ، وذلك قوله : قُلْ فَأْتُوا ولم يقل : فإن لم يستجيبوا لك على نحو ما قد بيّنا قبل في خطاب رئيس القوم وصاحب أمرهم ، أن العرب تخرج خطابه أحيانا مخرج خطاب الجمع إذا كان خطابه خطاب الأتباع وجنده ، وأحيانا مخرج خطاب الواحد إذا كان في نفسه واحدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

{ فإن لم يستجيبوا لكم } بإتيان ما دعوتم إليه ، وجمع الضمير إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أو لأن المؤمنين كانوا أيضا يتحدونهم ، وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم متناولا لهم من حيث إنه يجب أتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل ، وللتنبيه على أن التحدي مما يوجب رسوخ إيمانهم وقوة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله : { فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله } ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر عليه سواه . { وأن لا إله إلا هو } واعلموا أن لا اله إلا الله لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ، ولظهور عجز آلهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة بإعجازه عليه ، وفيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم . { فهل أنتم مسلمون } ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إذا تحقق عندكم إعجازه مطلقا ، ويجوز أن يكون الكل خطابا للمشركين والضمير في { لم يستجيبوا } لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا أنه نظم لا يعلمه إلا الله ، وأنه منزل من عنده وأن ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة ، وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

تفريع على { وادْعوا من استطعتم } [ هود : 13 ] أي فإن لم يستجب لكم مَن تدعو لهم فأنتم أعجز منهم لأنكم ما تدعونهم إلاّ حين تشعرون بعجزكم دون معاون فلا جرم يكون عجز هؤلاء موقعاً في يأس الدّاعين من الإتيان بعشر سور .

والاستجابة : الإجابة ، والسين والتاء فيه للتأكيد . وهي مستعملة في المعاونة والمظاهرة على الأمر المستعان فيه ، وهي مجاز مرسل لأنّ المعاونة تنشأ عن النّداء إلى الإعانة غالباً فإذا انتدب المستعان به إلى الإعانة أجاب النداء بحضوره فسمّيت استجابة .

والعلم : الاعتقاد اليقين ، أي فأيقنوا أن القرآن ما أنزل إلاّ بعلم الله ، أي ملابساً لعلم الله . أي لأثر العلم ، وهو جعله بهذا النظم للبشر لأن ذلك الجعل أثر لقدرة الله الجارية على وفق علمه . وقد أفادت ( أنما ) الحصر ، أي حصر أحوال القرآن في حالة إنزاله من عند الله . و { أن لا إله إلاّ هو } عطف على { أنّما أنزل } لأنهم إذا عجزوا فقد ظهر أن من استنصروهم لا يستطيعون نصرهم . ومن جملة من يستنصرونهم بطلب الإعانة على المعارضة بين الأصنام عن إعانة أتباعهم فدل ذلك على انتفاء الإلهية عنهم .

والفاء في { فهل أنتم مسلمون } للتفريع على { فاعلموا } . والاستفهام مستعمل في الحثّ على الفعل وعدم تأخيره كقوله : { فهل أنتم منتهون } [ المائدة : 91 ] أي عن شرب الخمر وفعل الميسر . والمعنى : فهل تسلمون بعد تحققكم أنّ هذا القرآن من عند الله .

وجيء بالجملة الاسمية الدالة على دوام الفعل وثباته . ولم يقل فهل تسلمون لأنّ حالة عدم الاستجابة تكسب اليقين بصحة الإسلام فتقتضي تمكنه من النفوس وذلك التمكن تدلّ عليه الجملة الاسمية .