القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ إِذْ قَضَيْنا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ الشّاهِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَمَا كُنْتَ يا محمد بِجَانِب غربيّ الجبل إذْ قَضَيْنا إلى مُوسَى الأمْرَ يقول : إذ فرضنا إلى موسى الأمر فيما ألزمناه وقومه ، وعهدنا إليه من عهد وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ يقول : وما كنت لذلك من الشاهدين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَما كُنْتَ يا محمد بِجانِبِ الغَرْبِيّ يقول : بجانب غربي الجبل إذْ قَضَيْنا إلى مُوسَى الأَمْرَ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : غربيّ الجبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عليّ بن مدرك ، عن أبي زرعة بن عمرو ، قال : إنكم أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد أجبتم قبل أن تسألوا ، وقرأ : وَما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِيّ إذْ قَضَيْنا إلى مُوسَى الأَمْرَ .
{ وما كنت بجانب الغربي } يريد الوادي ، أو الطور فانه كان في شق الغرب من مقام موسى ، أو الجانب الغربي منه والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما كنت حاضرا . { إذ قضينا إلى موسى الأمر } إذا أوحينا إليه الأمر الذي أردنا تعريفه . { وما كنت من الشاهدين } للوحي إليه أو على الوحي إليه ، وهم السبعون المختارون الميقات ، والمراد الدلالة على أن إخباره عن ذلك من قبيل الأخبار عن المغيبات التي لا تعرف إلا بالوحي ولذلك استدرك عنه بقوله : { ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر } .
لما بطلت شبهتهم التي حاولوا بها إحالة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم نُقل الكلام إلى إثبات رسالته بالحجة الدامغة ؛ وذلك بما أعلمه الله به من أخبار رسالة موسى مما لا قبل له بعلمه لولا أن ذلك وحي إليه من الله تعالى . فهذا تخلص من الاعتبار بدلالة الالتزام في قصة موسى إلى الصريح من إثبات نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم .
وجيء في الاستدلال بطريقة المذهب الكلامي حيث بُني الاستدلال على انتفاء كون النبي عليه الصلاة والسلام موجوداً في المكان الذي قضى الله فيه أمر الوحي إلى موسى ، لينتقل منه إلى أن مثله ما كان يعمل ذلك إلا عن مشاهدة لأن طريق العلم بغير المشاهدة له مفقود منه ومن قومه إذ لم يكونوا أهل معرفة بأخبار الرسل كما كان أهل الكتاب ، فلما انتفى طريق العلم المتعارف لأمثاله تعين أن طريق علمه هو إخبار الله تعالى إياه بخبر موسى .
ولما كان قوله { وما كنت بجانب الغربي } نفياً لوجوده هناك وحضوره تعين أن المراد من الشاهدين أهل الشهادة ، أي الخبر اليقين ، وهم علماء بني إسرائيل لأنهم الذين أشهدهم الله على التوراة وما فيها ، ألا ترى أنه ذمهم بكتمهم بعض ما تتضمنه التوراة من البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم بقوله { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } [ البقرة : 140 ] . والمعنى ما كنت من أهل ذلك الزمن ولا ممن تلقى أخبار ذلك بالخبر اليقين المتواتر من كتبهم يومئذ فتعين أن طريق علمك بذلك وحي الله تعالى .
والأمر المقضي : هو أمر النبوءة لموسى إذ تلقاها موسى .
وقوله { بجانب الغربي } هو من إضافة الموصوف إلى صفته ، وأصله بالجانب الغربي ، وهو كثير في الكلام العربي وإن أنكره نحاة البصرة وأكثروا من التأويل ، والحق جوازه .
والجانب الغربي هو الذي ذكر آنفاً بوصف { شاطىء الواد الأيمن } [ القصص : 30 ] أي على بيت القبلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.