إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِيِّ إِذۡ قَضَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (44)

وقولُه تعالى : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي } شروعٌ في بيانِ أنَّ إنزالَ القرآنِ الكريمِ أيضاً واقعٌ في زمانِ شدَّة مساسِ الحاجةِ إليه واقتضاءِ الحكمةِ له البتةَ وقد صدرَ بتحقيقِ كونِه وحياً صادقاً من عندِ الله عزَّ وجلَّ ببيانِ أنَّ الوقوفَ على ما فُصِّل من الأحوال لا يتسنَّى إلا بالمشاهدةِ أو التعلُّمِ ممَّن شاهدَها وحيثُ انتفى كلاهُما تبينَ أنَّه بوحيٍ من علاَّمِ الغُيُوبِ لا محالةَ على طريقةِ قولِه تعالى : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أقلامهم أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [ سورة آل عمران ، الآيةَ44 ] أيْ وما كنتَ بجانبِ الجبلِ الغربِّي أو المكانِ الغربيِّ الذي وقعَ فيه الميقاتُ على حذفِ الموصوفِ وإقامةِ الصِّفةِ مُقامَهُ أو الجانبِ الغربِّي على إضافةِ الموصُوفِ إلى الصِّفةِ كمسجدِ الجامعِ . { إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر } أي عهدنَا إليهِ وأحكمَنا أمرَ نبوَّتِه بالوحي وإتياءِ التَّوراةِ { وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين } أي من جُملة الشاهدينَ للوحي وهم السبعونَ المختارون للميقاتِ حتَّى تشاهدَ ما جرى من أمرِ مُوسى في ميقاتِه وكتبةِ التَّوراةِ له في الألواحِ فتخبَره للنَّاسِ .